المقالات

الحرب الفلسطينية الإسرائيلية بين المسرحيات العسكرية والحلول الجذرية 

الحرب الفلسطينية الإسرائيلية بين المسرحيات العسكرية والحلول الجذرية 

✍️ ملهي شراحيلي

لا يخفى على المتابع للأحداث السياسية والصراعات العسكرية التي تعصف بالعالم هذه الأيام، وآخرها الحرب الفلسطينية الإسرائيلية، رغم أنها من أقدم الحروب، إلا أنها تختفي فجأة، وتعود فجأة، ومع أنها ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، إلا أنها في كل مرة تكتسب زخماً إعلامياً ونشاطاً سياسياً بشكل مختلف.

ولعل من جديد هذه الحرب المتجددة، شرارتها الأولى، التي جاءت على شكل هجوم مباغت، نفذته على حين غِرّة كتائب القسام، المسيطرة على غزّة، صبيحة السابع من أكتوبر، وما نتج عن ذلك الهجوم من ردة فعل إسرائيلية وغربية.

وحتى ردة الفعل الغربية جاءت هذه المرة بشكل مختلف من حيث الاصطفاف الغربي، متمثلاً في الدعم السريع سياسياً وعسكرياً للكيان الصهيوني. 

وإن كنتُ أرى أن ذلك الدعم لايعدو كونه مسرحية سياسية، جاءت على شكل استعراض عسكري، من خلال تحريك بعض القطع العسكرية، المتواجدة أصلا في مناطق قريبة من الشرق الأوسط، بالإضافة إلى الحضور الشخصي لبعض القادة العسكريين والزعماء السياسيين، وعلى رأسهم بايدن، وماكرون، بغرض التصوير مع قادة إسرائيل، ولتسجيل موقف إعلامي لدى شعوبهم وأحزابهم، وللتأثير على الرأي العام في بلدانهم، لاسيما وأن شعبية كلا الزعيمين أصبحت في الحضيض لأسباب عدة لايتسع المجال للخوض فيها الآن.

 

مسرحية أخرى لاتقل إثارة عن المسرحية الغربية، ألا وهي مسرحية نتنياهو الشخصية، المتمثلة في القضاء على حماس!!!.

ولا أعتقد أن هذه المسرحية السريالية تلقى رواجاً لدى الحكومة الإسرائيلية ذاتها، ناهيك عن قبولها وتقبّلها في الشعب اليهودي الذي خرج قبل أيام من هجوم حماس، للساحات والميادين في تل أبيب وغيرها من مستعمرات إسرائيل، منددين بتخبطات نتنياهو، ومعترضين على إجراءاته التنظيمية وتعديلاته القانونية.

ولا أظن أن هذه المسرحية اليهودية التي كتبها نتنياهو، قادرة على لملمة الإنقسامات المتجذرة في الحكومة المتشظية التي يتزعمها نتنياهو، ولن تسد الخروقات المكشوفة للحكومة الإسرائيلية، ناهيك عن تقبّلها من قبل حكومات الغرب قبل شعوبه، لأنه وبكل بساطة، ليست حماس وحدها من يقطن غزّة، وليست حماس وحدها هي الحركة العسكرية المسلحة في فلسطين، وبالتالي فالقضاء على حماس، مع أنه مستحيل عملياً، ولكن لو فرضنا ونجحت مسرحية نتنياهو، في القضاء على حماس، فإن في فلسطين عشرات المنظمات، إن لم تكن المئات، التي لا تقل بأساً عن حماس.

 

وبما أن المسرح العالمي يتسع للمزيد من الممثلين والكومبارس وحتى المهرجين والسذج والغوغائين، فقد ظهر مؤخراً الكثير من أولئك، سواءً في الغرب أو الشرق، ولعلّ آخرهم المعتوه الحوثي، الذي أصر على إضحاك العالم باستعراضاته البهلوانية، وتصريحاته الدخانية، من خلال إرسال صواريخ ومسيرات إلى المدن الإسرائيلية بحسب زعمه، ومع أن أغلبها تساقطت على الأراضي المصرية، والأردنية، وأكثرها وقعت في البحر الأحمر، إلا أنه مصرّ على تأدية دوره التمثيلي في مسرحية هزلية، نهايتها لن تكون بيده.

إن الغرض من الاستعراض الحوثي الهمجي، ليس نصرة فلسطين، ولا تأديب إسرائيل، ولو كان الحوثي جادّاً لأغرق السفن الإسرائيلية والأمريكية التي تجوب بحر العرب والبحر الأحمر، ولأغلق باب المندب عسكرياً أمام تلك السفن، بدل أن يرسل مسيرات وصواريخ على أهداف تبعد عن صنعاء عشرة أضعاف المسافة التي بين صنعاء والبحر الأحمر.

ومع أننا جميعاً نعلم أن القدرات العسكرية للحوثي محدودة وأنها عديمة الجدوى، ناهيك عن مقدرتها التدميرية لاسيما إذا كانت الأهداف تل أبيب وما حولها، فكان الأولى بالحوثي ضرب سفن الشحن الإسرائيلية، ولو سفينة واحدة أو بارجة من البوارج الأميركية، التي تعبر باب المندب يومياً، ولكن من الواضح جداً أن الحوثي وجد المسرح شاغراً فأراد أن يستعرض مسرحيته.

وفي لبنان ممثّل آخر، غير قادر على اعتلاء عتبة مسرح العمليات العسكرية، ولكنه يحاول بكل استماته أن يستعرض قدراته التمثيلية من خلال التصريحات الإعلامية التي لايُحسن سواها. 

ومن باب الإنصاف فليس فقط هؤلاء الغوغائين من يستبسلون في التمثيل على مسرح الحرب الفلسطينية الإسرائيلية، فعلى منابر الأمم المتحدة ومجالسها نرى ونسمع مئات الممثلين من العربان والأعاجم ممن يحاولون التمثيل على شعوبهم وعلى شعوب العالم، من خلال طرح رؤى وأفكار لا تعدو كونها سيناريوهات مسرحية.

 

إن الحل الجذري ليس للحرب الفلسطينية الإسرائيلية الدائرة الآن، بل للقضية من أساسها، ما دعت إليه، ونادت به، سرّاً وعلانية، حكومة المملكة العربية السعودية، وهو حل الدولتين. 

هذا الموقف الرصين، والرأي المتين، المبني على تصوّر واضح، وقاعدة صلبة من قررات أممية، ورؤية مشتركة يجتمع عليها حكماء العالم ومفكريه، من مشارق الأرض ومغاربها، يفضي إلى قيام دولة فلسطين تتمتع بكامل حقوقها.

هذا هو الحل الجذري الذي لا يدعو إليه إلا كل حُر ونزيه، وما عدى ذلك فليس سوى استثمار ومتاجرة بالقضية الفلسطينية لأغراض سياسية، وعنتريات مزيفة، وأوهام على شكل شعارات، تتخللها مظاهرات جماهيرية، ومسرحيات عسكرية.