المقالات

١٠٠ يوم من الدمار تعصف بالسودان 

١٠٠ يوم من الدمار تعصف بالسودان 

 

 ✍️ ملهي شراحيلي

 

‏ في الحرب، لا فرق بين يوم أو ١٠٠ يوم أو حتى عام ! فحجم الدمار يفوق فكرة الزّمن.

والحروب لا تقاس بمدتها وإنما بنتائجها، وتداعياتها وما يترتب عليها.

ومن مصائب الحروب أن آثارها غير المباشرة لا تقل ضرراً عن آثارها المباشرة!.

فعندما يتواجه جيشان في ميدان المعركة، فإن من يموت نتيجة تلك المواجهة خارج الميدان، أضعاف من يموتون في الميدان، ناهيك عن الآثار النفسية والتداعيات الاقتصادية التي تلحق بالضعفاء من النساء والأطفال من ذوي المتقاتلون في الميدان.

فعندما تفقد الأسرة مُعيلها فإن حياتها لا تنقلب رأساً على عقِب فحسب، بل أن الأسرة كلها تُدَمَّر نفسياً ومعنوياً وجسدياً واجتماعياً واقتصادياً، لا سيما في دولة مليئة بالجراح أصلاً، كما هو الحال في السودان المغلوب على أمره. 

إن الحروب والصراعات لا يقتصر ضررها على المتحاربين فقط، ولا على أسرهم وعوائلهم، بل يشمل ضررها كل المجتمع وكل مظاهر الحياة، من طرق وخدمات وزراعة وصناعة وثروة حيوانية ومصالح اقتصادية للمنطقة بأسرها.

وقد أظهرت أرقام الأمم المتحدة وهيئاتها ومنظماتها الإغاثية والإنمائية والإنسانية، تدهوراً كبيراً ودماراً هائلاً خلال الــ ١٠٠ يوم الماضية منذ اندلاع الصراع في السودان.

فمنذ اندلاع القتال في السودان في 15 نيسان/أبريل الماضي، نزح أكثر من 3.3 مليون شخص داخل البلاد. وقبل الأزمة، كان السودان موطناً لـ 1.1 مليون لاجئ، معظمهم من جنوب السودان وإريتريا وإثيوبيا. اضطر أكثر من 185 ألف منهم للانتقال إلى مناطق أكثر أماناً داخل البلاد، وباتوا عالقين في حلقة لا نهاية لها من النزوح.

وأدى تصاعد النزاع في الخرطوم وفي منطقتي دارفور، وكردفان، إلى حدوث نزوح داخلي واسع النطاق، وإلى وقوع إصابات ووفيات بين المدنيين.

وفي هذه الظروف الصعبة مات أكثر من ٣٠٠ طفل بسبب مرض الحصبة!.

وليست الحصبة وحدها من يستغل ظروف الحرب، وإن كانت هي الأكثر، إلا أن أمراضاً أخرى باتت تتربص بالسودان، مستغلةً تردي الأوضاع الصحية وانعدام الخدمات الأساسية من مسكنٍ ومشربٍ ومأكلٍ ومصحات، ناهيك عن توقف أغلب المستشفيات والمراكز الصحية، ودور الأيتام وغيرها من الملاجئ الإنسانية.

كما أن موسم الأمطار على أشُدّه، وهو ما يزيد من خطر تفاقم معاناة السكان ويعقّد الترتيبات اللوجستية الخاصة بنقل المدنيين واللاجئين بعيداً عن مناطق الاشتباكات العسكرية، ويفاقم ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود معاناة العائلات والأفراد المحتاجة أصلاً، في حين أن الخلل الذي يصيب سلسلة التوريد وارتفاع معدلات التضخم يزيد من تكلفة إيصال المساعدات الإنسانية.

هذا فيما يخص الوضع المجتمعي للمدنيين من السودانيين واللاجئن في السودان، وهو في الحقيقة لا يقل قتامةً عن أوضاع العسكر، سواءً من أفراد الجيش أو من منتسبي الدعم السريع أو المساليت، أو حتى الحركات المسلحة الأخرى، فهم في النهاية جزء من المجتمع، ويجري عليهم مايجري على الشعب بالإضافة إلى وابل الأسلحة من هنا وهناك.

وإذا كان الجيش السوداني لم يتمكن، خلال الــ ١٠٠ يوم الماضية، (ولا أرى أنه سوف يتمكن) من حسم المعركة عسكرياً كما كان يزعُم، فالدعم السريع أعجز من أن يحسمها عسكرياً.

ومما لاشك فيه أن المعركة النهائية في أي حرب هي طاولة التفاوض، إلا أن المؤشرات إلى الآن لا تشير إلى قرب الوصول إلى هذه المرحلة!. رغم الضغوط السعودية والعربية والاقليمية وحتى الأمريكية والأوروبية، بالتفاوض، إلا أن الفريقان بقيادة حميدتي والبرهان، لايزال كلّ منهما مُصِرٌّ على الحسم العسكري، وهو أبعد مايكون، وإن كان، فإنه سوف يكون مُدمِّراً.

وإذا كان السؤال:

إلى متى سوف تستمر حرب السودان؟

فالجواب، ومن خلال المعطيات والأرقام والأحداث التي شهدتها ١٠٠ يوم مضت، فإن مصير هذه الحرب قابل للتوسع والإنتشار، وربما تدخل أطراف أخرى فيها، سواءً من الجماعات المسلحة السودانية، أو حتى من أطراف خارجية، مع أن الأطراف الخارجية موجودة، ليس منذ اندلاع هذه الحرب، بل وحتى من قبل أن تبدأ، ولكن تحت مسميات أخرى. 

ولايمكن في أي حالٍ من الأحوال فصل مايجري في السودان، عن الخلافات المصرية الإثيوبية، سواءً بسبب سد النهضة الإثيوبي، أو غيره من الملفات الإقليمية، بين السودان وجيرانه، كما لايمكن فصل الأحداث الحالية، عن الأحداث السودانية السابقة، فيما يخص عزل البشير وأركان نظامه السابق، بل أن مما لامراء فيه أن المستفيد الأول مما يجري الآن هم أنصار عمر البشير، ولا يُستبعد أن تكون لهم اليد الطولى فيما يحدث من دمار الآن، ناهيك عن تجّار السلاح المنتشرون في إفريقيا من الشرق والغرب، والمصالح المتقاطعة للصين وروسيا مع المصالح الأمريكية والأوروبية في إفريقيا عموماً والسودان على وجه الخصوص. 

إن ١٠٠ يوم من الحرب والدمار في بلد مُنهك اقتصادياً، وضعيف سياسياً، تكشف لكل من له بصر وبصيرة، أن الصراع ليس فقط من أجل السلطة، ولا حتى بسبب تقاسم الثروة، وإنما هناك أسباب أكبر من ذلك بكثير، وأن الصراع العسكري والسياسي، ليس محصوراً في الجيش والدعم السريع، بل أن دولاً ومنظمات وأيادٍ خفية، تُذكي هذا الصراع وتمدّه بأدوات البقاء من سلاح وعتاد، ومع أن كفة ميزان القوّة إلى الآن لم ترجح طرف على طرف، رغم التفوق الجوي للجيش، إلا أن ذلك التفوق لم ينعكس على الأرض لحد الآن، سوى في مواقع التواصل الإجتماعي، والإعلام السوداني، ومع أن الحرب الإعلامية أشد ضراوة مما يجري على أرض الواقع، إلا أنها تُعنى بالجانب العسكري والسياسي، على حساب الوطن والمواطن السواداني.

ومن الطبيعي جداً أن ينقسم الإعلام السواداني، كما هو حال الشعب الذي بات مقسّماً بين داعمٍ للجيش وآخر للدعم السريع، إلا أن هذا الانقسام، مع مرور الوقت سوف تزداد وتيرته، وسوف ينعكس على مجريات الأحداث، وربما يصنع جبهة موازية لاتقل تأثيراً من جبهات المواجهة المسلحة.

ويبقى السؤال: إلى متى سوف يستمر الدمار يعصف بالسودان؟

وماهي السيناريوهات الأقرب للواقع بعد ١٠٠ يوم من الصراع؟

والأهم من هذا وذاك، إذا كان الجيش السوداني لا يرى حلّاً سوى الحل العسكري، فلماذا لم يُنجز المهمة إلى الآن؟

إن المتابع للأحداث في السودان خلال الــ ١٠٠ يوم الماضية، يُدرك أن الكفاءة القتالية والامكانات المادية والبشرية للجيش السوداني لا تتناسب وحجم المنجزات على أرض الواقع.

ومن وجهة نظري الشخصية أن المنظومة العسكرية للجيش السوداني، لن تستمر بالصمود لــ ١٠٠ يوم أخرى، إلا في حالة تدخُّل خارجي عسكرياً وبشكل علني، من خلال طيران حربي أكثر كفاءة وأشد ضراوة من سلاح الجو السوداني، وإن كان هذا مستبعد حالياً، ولكنه ممكن لاحقاً.

أما السيناريو الثاني وهو الأكثر ترجيحاً أن ينهار الجيش السوداني من الداخل من خلال انضمام أحد أعمدة الجيش للدعم السريع مما يهز ثقة الجيش بنفسه، ويهز ثقة الشعب السوداني فيه، لاسيما في ظل الانشقاقات الحاصلة في صفوف الجيش المُختَرَق أصلاً من قبل الدعم السريع.

إن الإمكانيات والقدرات البشرية والعسكرية للجيش السواداني، لم تنعكس على المواجهات خلال الفترة الماضية، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أحد أمرين: فأما أن يكون الجيش مُخترَق أو أنه نمر من ورق، وفي الحالتين فإن سقوطه مسألة وقت فقط.