المقالات

من تجربتي الصحفية في صحيفة أقلام الخبر الإلكترونية 

من تجربتي الصحفية في صحيفة أقلام الخبر الإلكترونية 

✍️ ملهي شراحيلي

كثيرةٌ هي تجارب الحياة التي تستحق منّا توثيقها إن لم يكن تخليدها، أو على الأقل ترديدها والتغني بها، ليس لأنها أثّرتْ فينا، أو تأثرنا بها، بل لأنها فريدة في نوعها، ونادرة في وجودها.

وتجربتي الصحفية في صحيفة أقلام الخبر الإلكترونية، واحدة من التجارب التي تنطبق عليها تلك الأوصاف آنفة الذكِر.

صحيح أنها لم تكن أولى تجاربي الصحفية، ولا أتوقع أن تكون الأخيرة، ولكن وقتها وأهميتها، بالإضافة إلى تسلسل أحداثها، جعل منها، - على الأقل بالنسبة لي- تجربة، فريدة ونادرة.

قبل أن أتشرف بالإنضمام لصحيفة أقلام الخبر، عملتُ في أكثر من صحيفة إلكترونية، كاتباً ومحرراً ومراسلاً، وتقلدتُ مناصباً (إلكترونية) إدارية وتنظيمية، في تلك الصحف الإلكترونية، ولا مجال هنا للمقارنة بين تلك الصحف وصحيفة أقلام الخبر، لامن حيث الأهمية والقيمة الصحفية، ولا من حيث الفكر الصحفي، لأرباب تلك الصحف والقائمين عليها، مقارنةً بأقلام الخبر. 

ولعل الفكر الصحفي، هو الميزة الفريدة التي تتمتع بها أقلام الخبر عن سواها من الصحف الإلكترونية، على الأقل التي خضت فيها تجاربي الصحفية.

قبل أن أُطلعك عزيزي القارئ، عن أهم ما اكتشفته في تجربتي الصحفية في أقلام الخبر، استميحك عذراً، في أن أحكي عليك هذه القصة.

 

في أحد الأيام اصطحبني أحد الأصدقاء إلى مطعم مشهور في المحافظة، لتناول طعام الغداء.

وكان صديقي هذا من البارعين في الطبخ، المتفننين في إعداد الطعام، بكافّة أصنافه، وجميع طرق تحضيره، ولديه خبرة فائقة في معرفة مكونات ومقادير كل نوع من أنواع الطعام!!.

ولهذا كنتُ أسعد بدعواته لي، وإن كانت على حسابي، لأنني لا أثق في ذوقه فقط، بل وفي أنني سوف أحصل على وجبة لذيذة ومفيدة. 

المهم في أول يوم أخذني إلى ذلك المطعم، وما إن وصل الطعام الذي طلبناه، وقبل أن يرفع أول لقمه لفمه، بدأ يسرد لي خصائص هذه الأكلة ومقادريرها، ومكوناتها، وماذا كان ينبغي على الطباخ فعله مع كل مقدار من مقادريها، وكم من الوقت يستغرق تجهيزها وطبخها......

ومع أن تركيزي لم يكن معه، إلا أنه لفت انتباهي لأمر لم أفكر فيه من قبل!!!

فأنا وغيري ربما الكثير من الناس، عندما نجلس على الطعام، لا نسمح لتفكيرنا أن يتجاوز طعم الأكلة وحجمها بغض النظر عن تلك التفاصيل الدقيقة التي رافقتها من منشأها إلى السُفرة.

لقد تعلّمتُ من صديقي، في ذلك اليوم، أننا نختلف كثيراً في نظرتنا للطعام!!.

نفس الأمر عزيزي القارئ، ينطبق على الصحافة!!.

فكثير من الناس يقرأ المادة الصحفية، سواءً كانت خبراً أو تقريراً، أو مقالة أو قصة أو أي مادة صحفية، من زاوية الإطلاع عليها، ولكن القليل بل والقليل جداً، من يقرأ المادة الصحفية، كما يقرأ صديقي وجبة غدائه.

 

ومن هنا تتعدد المطابخ الصحفية، وتتنوع الصحف الإلكترونية، ليس في أسمائها ومسمياتها ولا حتى في تخصصاتها وموادها الإعلامية، وإنما في خطوات إعداد المادة الإعلامية، بغض النظر عن كونها دسمة أو عادية. 

فالخبر الصحفي على سبيل المثال، له مقادير محددة، ومعايير مرتبة، وله مقدمة ومتن وخاتمة، هذا ما يبحث عنه الصحفي عند قراءة الخبر، وهي أشياء نادراً ما يفكر فيها القارئ، ولكن الصحفي المُلم بأساسيات الخبر، لايمكن أن ينشر خبراً لا يستوفي تلك الشروط والأركان، لأنه يظن أن خبره هذا سوف يقرأه صحفيون آخرون، وهم بفطرتهم الصحفية، مجبولون على البحث عن أركان الخبر وأسسه الصحفية، بغض النظر عن نوع الخبر وأهميته. 

ولو صحّتْ المقارنة بين الخبر الصحفي، ووجبة طعام، فكم من أخبار تُنشر لاسيما في الصحف الإلكترونية، لو كانت أكلة، فأما أن تكون نيئة أو زاد ملحُها أو نقص بهارها، أو انطبخت أكثر من اللازم، أو كانت باردة، وغيرها مما يؤثر على جودتها أو ينتقص من لذتها. 

والحال كذلك في التقارير الصحفية ومقالات الرأي، وغيرها من المواد الإعلامية التي لا بد أن تتوفر فيها بعض الاشتراطات الصحفية، فالمقالة مثلاً، وإن كانت من أبسط أنواع الصحافة، وشروطها جداً فضفاضة، إلا أن قصرها يفسدها أكثر من طولها، فكلما كان الكاتب غزير الثقافة واسع الإطلاع، فإنه كصاحب طبخة يقلّبها على نارٍ هادئة حتى تستوي، وأما المقالات القصيرة والتي لاتزيد عن ٥٠سطراً، فهي لاتدل على ضحالة فكر كاتبها فحسب، بل وتدل على ضيق صدره وقلة صبره، ونفاذ حيلته، وربما ضحالة تجربته، فإذا ما قرأها كاتبٌ أغزر منه علماً، وأوسع اطلاعاً، فإنه لن ينظر للمقالة في ذاتها وإن كانت فكرتها واضحة، ولغتها أنيقة، وأسلوبها شيق، واحتوت الفكرة بعدد قليل جدا من الكلمات، بل سوف ينظر لمن كتبها، وفيم كان يفكر، وكيف استطاع أن يوصل فكرته للقارئ. 

صحيح أنه لاتوجد شروط محددة لابد أن يلتزم بها كاتب المقال، ولكن إذا كان الكاتب يعتقد أن القارئ لن يقرأ مقالته بسبب طولها، فهذا ليس سبباً لاختصار الفكرة، بل أن المقالة الطويلة التي يعالج فيها الكاتب فكرة، سوف تشد القارئ لها وتجبره على قراءتها وإن كانت أطول من معلّقة من معلقات الجاهلية.

ثم إن الكاتب إذا كان همّه أن تُقرأ مقالته فهو ليس كاتب.

والصحيفة التي تجبر كتّابها على إختصار مقالاتهم، لا تعتبر صحيفة بمعنى صحيفة، وإن سمّت نفسها صحيفة، حتى وإن كانت الحُجة أن الناس تبحث عن الاختصار.

إن الذين يبحثون عن الاختصار لن يقرأوا مقالات من ٥٠ سطراً، وإن كان عنوانها جذاباً.

ثم لو فرضنا أن هناك من يبحث عن الاختصار، أليس هناك أيضاً من يبحث عن الاسترسال!!؟.

لا ضير أن يكون لدى الصحيفة كتّاباً يكتبون مقالات مختصرة، ولكن من الأفضل للصحيفة أن تشجع كتّاب المقالات المطولة، ثم يُترك الحكم النهائي للقارئ.

إن هذه الميزة حقيقةً لن تجدها في أغلب الصحف الإلكترونية، بل سوف تجد بعضها مقالات على شكل تغيردات، وكأن أصحابها يكتبون تغريدة على منصة X !.

وتجد أخبارها ليست منسوخة فقط، بل وفيها من الأخطاء الإملائية والإنشائية ما لا يُعد ولا يُحصى، وخاصة الصحف الإلكترونية التي لاتمتلك فكر صحفي، وإنما همّها المكسب المادي من خلال الإعلانات التجارية. 

وربما لا يخفى على القارئ الكريم، أن صحيفة أقلام الخبر، لا تنتقِ الأخبار بعناية فحسب، بل وتصنع أخبارها بكوادرها، وبالمناسبة، فصحيفة أقلام الخبر رغم حداثتها، إلا أنها استطاعت بفضل فكرها الصحفي، وعمقها المعرفي، أن تصنع مساراً خاصاً بها. 

وأنا هنا عندما أتكلم عن الصحيفة فأنا أعني القائمون عليها، بدءً برئيس تحريرها ومؤسسها، مروراً برؤساء ورئيسات مكاتبها المنتشرة في عدد من مناطق المملكة، و ليس انتهاءً بشبكة مراسليها وكتّابها. 

ولهذا كانت تجربتي فيها فريدة ونادرة، فالصحافة الإلكترونية تقوم أساساً على الحركة والسرعة، أو مايعرف بــ "الأكشن"، 

 والذي يوفر عليهم الوقت والجهد والمال، غير أن أقلام الخبر، شاذة عن باقي الصحف الإلكترونية في هذا الجانب.

ميزة أخرى أكتشفتها من خلال تجربتي، وارأها ميزة تنفرد بها أقلام الخبر، عن غيرها من الصحف الإلكترونية، وهي أنها تحاول المواءمة بين الكم والنوع، ففريق التحرير فيها مع أنه يعطي الأولوية للأخبار العاجلة، حتى وإن كانت كثيرة، إلا أنهم يركزون بعناية خاصة على نوعية الأخبار.

وهذا ليس فقط فيما يخص العواجل، بل حتى فيما يخص الأخبار العامة سواءً كانت المحلية أو العربية أو العالمية.

 

كذلك تتميز أقلام الخبر عن غيرها، أنها تحرص أن تضع قارئها والمتابع لها، في قلب الأحداث، من خلال تغطيتها لجميع الأحداث على الساحة المحلية والعربية والعالمية، سياسياً، واقتصادياً، ثقافياً، واجتماعياً، بالإضافة إلى الأحداث الرياضية، وأخبار الطقس والمناخ، وغيرها من المواضيع الصحفية في شتى المجالات.

وهذه ميزة لا تتوفر في أغلب الصحف الإلكترونية. 

ميزة أخيرة، لا تقل أهمية، عن المزايا الصحفية السابقة التي تتميز بها صحيفة أقلام الخبر الإلكترونية، عن غيرها، ألا وهي الواقعية.

إن الصحافة الإلكترونية من أعظم مميزاتها، سرعة النشر، وسرعة تلافي الأخطاء، ليس فقط الأخطاء الإملائية والإنشائية، ولكن الأخطاء الإعلامية والقانونية!!!.

وربما سبق لك وأن لاحظت عزيزي القارئ، أن صحيفة إلكترونية مشهورة نزلت خبراً ثم سارعت بسحبه!!.

هل تظن أنها اكتشفت خطأً في الخبر فسارعت بحذفه!!؟؟

أبداً ... كل مافي الأمر أنها وجدت خبراً مثيراً للقارئ، وإن كان ذلك الخبر فيه مخالفة قانونية، إلا أنها تعمدت نشره، واختارت الوقت المناسب، ثم بعد أن انتشر هذا الخبر( والصحيفة تعلم أنه مخالف لأنظمة النشر) فتقوم بحذفه، وإن لزم الأمر فإنها تعتذر عنه، وبهذا فقد حققت الغرض من ذلك الخبر. 

صحيفة أقلام الخبر، منذ تأسيسها إلى هذه اللحظة لا تتعمد، ولا تعتمد على هذا الأسلوب الذي تنتهجه أغلب الصحف الإلكترونية، مع أن الأخطاء الصحفية واردة وكما قيل فالذي يعمل لابد وأن يخطئ، ولكن هناك فرق بين من يخطئ، وبين من يستغل فرصة تصحيح الخطأ. 

إن تجربتي الصحفية في صحيفة أقلام الخبر، لم تُعمّق تجربتي الصحفية فحسب، بل أكسبتني نظرة أوسع لمفهوم الصحافة الإلكترونية، صحيح أنها تجربة قصيرة نسبياً، كونها لاتزيد عن سنتين فقط، فقد كانت أولى مقالاتي فيها في ٢٤ أبريل ٢٠٢٢، وكانت بعنوان:

"شهر من بدء الحرب الروسية الأوكرانية".

أنني أشعر بالفخر والاعتزاز أن أنتسب لصحيفة رزينة وواقعية، يديرها ويسيّر أمورها، نخبة من شباب، وشابات الوطن، وتضم كوكبة مميزة من الأقلام الصحفية من جميع مناطق المملكة العربية السعودية.

ولو لا أن أطيل على القارئ، لأتيت على كل الجوانب الصحفية، والمنعطفات الإعلامية، التي لمستها وعشتها من خلال تجربتي الصحفية في أقلام الخبر، وهذا ليس مدحاً فيها، ولا حمداً لرئيس تحريرها والقائمين عليها، ولا ترغيباً للقارئ فيها، ولا دعايةً لها، مع أنها تستحق ذلك، ولكن هذا بالفعل بعض ما طلعتُ به من تجربتي.

وكما قال أبو الأسود الدؤلي:

لا تَحمدَنَّ امرءً حَتّى تُجَرِّبَهُ

وَلا تَذُمَنَّهُ مِن غَيرِ تَجريبِ

فَحَمدُكَ المَرءَ ما لَم تَبلُهُ سَرَفٌ

وَذَمُّكَ المَرءَ بَعدَ الحَمدِ تَكذيبُ. 

 

MelhiSharahili@gmail.com