المقالات

قمّة "فيلنيوس" هل تكون آخر قمم الناتو؟

قمّة "فيلنيوس" هل تكون آخر قمم الناتو؟

 

 ✍️ ملهي شراحيلي

يعيش سكان النصف الشمالي من الكرة الأرضية، هذه الأيام أحر أيام الصيف، ولكن مدينة "فيلنيوس" العاصمة اللتوانية، تشهد صيفاً استثنائياً، ليس من ناحية الطقس، فحسب، وإنما من ناحية الاستعدادات العسكرية والأمنية بمناسبة قمة حلف شمال الأطلسي "الناتو" التي تُعقد يومي ١١ و ١٢ من يوليو الجاري.

لقد حوّل حلف شمال الأطلسي (الناتو) مدينة "فيلنيوس" إلى حُصن محاط بأسلحة متطورة لحماية الرئيس الأميركي جو بايدن، وزعماء الحلف الآخرين خلال القمة التي تُعقد على مسافة 32 كيلومترا فقط من سياج حدودي تعلوه أسلاك شائكة يفصل بين ليتوانيا وبيلاروسيا حليفة روسيا.

حيث أرسلت 16 من الدول الأعضاء في الحلف ألف جندي تقريباً لحماية القمة، والتي ستُعقد على مسافة 151 كيلومترا فقط من روسيا نفسها. 

وقدّمت العديد من الدول الأعضاء أنظمة دفاع جوي متقدمة لا تمتلكها دول البلطيق.

وقال جيتاناس نوسيدا، رئيس ليتوانيا: «ترك أجوائنا بلا حماية مع وصول بايدن، وزعماء 40 دولة سيكون بمثابة شيء أكبر بكثير من مجرد تصرف غير مسؤول».

ولضمان أمن القمة وسلامتها، نشرت ألمانيا 12 من قاذفات صواريخ «باتريوت» الأميركية، والتي تُستخدم لاعتراض الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز أو الطائرات الحربية.

ونشرت إسبانيا نظام الدفاع الجوي الصاروخي «ناسامز»، وأرسلت فرنسا مدافع ميدان من طراز «قيصر» ذاتية الدفع، ونقلت فنلندا والدنمارك وفرنسا أيضاً طائرات عسكرية إلى ليتوانيا.

 وقدّمت المملكة المتحدة وفرنسا دفاعات مضادة للطائرات المسيرة.

وأرسلت بولندا وألمانيا قوات عمليات خاصة معززة بطائرات هليكوبتر.

 وأرسلت دول أخرى مستلزمات للتعامل مع أي هجمات كيميائية وبيولوجية وإشعاعية ونووية محتملة!.

إن هذا الكم الهائل من الأسلحة يطرح تساؤلات حول حجمها ونوعها والغرض الأساسي من حشدها!

فهل تكون فعلاً لتأمين القمة؟

 أما أن هذه القمة جاءت كغطاء لنقل هذه الأسلحة إلى حدود روسيا؟

ثم ما مصيرها بعد انقضاء القمة؟

فهل سوف تظل في لتوانا، أم سوف تنقل إلى أوكرانيا؟

 

ومما لاشك فيه أنه ليست مصادفة أن يعقد حلف شمال الأطلسي (الناتو) قمته الرابعة منذ بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، في العاصمة الليتوانية "فيلنيوس" على مسافة عشرات الأميال فقط من بيلاروسيا، حليفة الكرملين وحديقته الخلفية التي «تستضيف» الأسلحة النووية الروسية وعدداً غير معروف من مقاتلي مجموعة «فاغنر»، وعلى مقربة من الأراضي الروسية عند مدينة كالينينغراد.

إنه اختيار رمزي للاجتماع على طرف خاصرة الحلف الشرقية، لتوجيه رسالة قوية إلى الكرملين وسيده فلاديمير بوتين، في ذروة المواجهة الاستراتيجية التي بدأت تعيد تشكيل المعادلات الأمنية في أوروبا، وربما في العالم.

وربما تكون قمة "فيلنيوس" ليست سوى استفزاز عسكري لروسيا، واختبار لصمودها، أو تمهيد لعملية عسكرية ينفذها الغرب!. 

لقد تبدّى منذ بداية هذه الحرب أن الدول الأوروبية التي كانت الداعية إلى إنشاء حلف «الناتو» بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، هي اليوم تحت رحمة العباءة الدفاعية للولايات المتحدة التي كانت مترددة في البداية بالانضمام إلى المشروع الدفاعي الأوروبي، النواة الأولى للحلف الأطلسي، لكن مشاركة أربع دول من المحيط الهادئ في هذه القمة، وهي اليابان، وكوريا الجنوبية، وأستراليا، ونيوزيلندا، هي أيضاً رسالة مفادها أنه إذا كان تركيز الحلف اليوم على روسيا، فإن الصين أيضاً قد أصبحت ضمن اهتماماته!.

 وفي هذا الشأن، قال بايدن في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" نُشرت الأحد "أعتقد أن هناك طريقة لحل (الصعوبات بين البلدين) وبناء علاقة مع الصين تفيد كلا البلدين".

وأعرب الرئيس الأمريكي عن ثقته في أن الرئيس الصيني، شي جين بينغ، يسعى لإزاحة الولايات المتحدة من مكانها كقوة عسكرية واقتصادية متصدرة في العالم.

وقال بايدن "أنا متأكد من أنه يريد أكبر اقتصاد في العالم وأكبر قدرات عسكرية".

وأضاف أيضاً أنه لا يرى من جانب الصين رغبة في الحرب أو الصراع مع الولايات المتحدة، أو طموحات لتوسيع أراضيها.

وفي ذات السياق،اختتمت الأحد، وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، زيارتها للصين بعد محادثات المائدة المستديرة بين واشنطن وبكين. 

وكانت يلين، في زيارة استغرقت أربعة أيام إلى بكين، حيث وصفت المحادثات التي أجرتها مع نظرائها الصينيين بأنها تساعد في تقريب العلاقات الثنائية على "أسس أكثر أماناً".

وكانت التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، قد أدت إلى حرب تجارية متبادلة والقيود المتصاعدة على التقنيات الرئيسية مثل الرقائق.

وأخبرت يلين شبكة "سي بي إس" أنه بينما كانت إدارة الرئيس جو بايدن، تدرس ضوابط إضافية على الاستثمارات الخارجية، فإنها ستكون "مستهدفة بشكل ضيق للغاية" ولن تؤثر بشكل كبير على الاستثمارات الثنائية مع الصين.

وقالت إنها أثارت في بكين قضية تحرك الصين الأخير لتقييد صادرات معدنين مهمين لصناعة الرقائق وأعادت فتح قنوات اتصال يمكن استخدامها لمناقشة المخاوف.

 

إن القضية المركزية (المُعلَنة) التي تدور حولها هذه القمة هي التوصل إلى اتفاق سياسي حول مستقبل أوكرانيا وتحديد مسار انضمامها إلى «الناتو» والتعهدات الأمنية في انتظار هذا الانضمام الذي ما زالت واشنطن غير متحمسة له، فضلاً عن قضايا أخرى هامة مثل طلب انضمام السويد الذي لا تزال تركيا تعارضه، وإطلاق خطط الدفاع الإقليمية الجديدة التي تشكّل إعادة نظر واسعة في البنية العسكرية للحلف منذ الحرب الباردة.

إن مما لاشك فيه أن الحرب الدائرة في أوكرانيا أعادت الحياة إلى منظمة الدفاع الأطلسية التي كانت قد دخلت مرحلة التشكيك في جدواها بعد التحذيرات المتكررة التي أطلقها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، وتهديده بالإنسحاب منها إذا امتنعت الدول الأوروبية عن رفع سقف إنفاقها العسكري وتحمل المزيد من أعباء تمويل موازنة الحلف.

 

وبغض النظر عن القدرات العسكرية لحلف الناتو، فإن قمة "فيلنيوس" التي تبدأ الثلاثاء، ستخصص الجزء الأكبر من مداولاتها النووية لتحديد إطار العلاقة الأطلسية مع أوكرانيا التي كان الحلف قد وجّه إليها دعوة للانضمام خلال قمة بوخارست في 2008، لكن منذ ذلك التاريخ لم يحدث أي تقدّم على هذا المسار، حتى بعد إقدام موسكو على ضم شبه جزيرة القرم في 2014.

ومع انطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، قرر الحلف رفع مستوى علاقاته الدبلوماسية مع أوكرانيا في مجلس دفاعي مشترك يتيح لحكومة كييف المشاركة على قدم المساواة مع أعضاء الحلف في مناقشة الكثير من القضايا، ومن المقرر أن يعقد هذا المجلس أول اجتماعاته في هذه القمة التي يُنتظر أن يصدر عنها بيان يشدد على أن موقع أوكرانيا هو ضمن الحلف الأطلسي الذي قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، السبت، إنها تستحق الانضمام إليه، خلال استقباله نظيره الأوكراني فولوديمير زيلنسكي، في إسطنبول، لكن من غير أن يذهب بعيداً مثل بعض الدول الشرقية التي تطالب بجدول زمني للانضمام أو القول إن كييف لن تكون بحاجة لاستيفاء جميع الشروط اللازمة للعضوية الكاملة في الحلف.

وتقول أوساط أطلسية مطلعة إن أوكرانيا باتت مقتنعة بأن عضويتها لن تكون ناجزة قبل نهاية الحرب، وهذه العضوية لن تتم في أي حال من الأحوال إلا بعد استكمال مجموعة من معايير المنظمة وإجراء تعديلات واسعة في البنى العسكرية الموروثة من العهد السوفياتي وتبنّي القواعد الأطلسية، لكن هذا لن يكون حائلاً دون موافقة القمة على منح أوكرانيا حزمة من المساعدات الاقتصادية لبضع سنوات من أجل تحديث تجهيزاتها العسكرية واستكمال تدريب قواتها الذي كان قد بدأ قبل سنوات من الحرب!.

 

أوكرانيا - من جهتها - تسعى إلى الحصول من الحلف، أو من بعض أعضائه، على ضمانات أمنية ملزِمة لا تزال الدول الأعضاء ترفض إعطاءها وتحجِم عن مدّها بأسلحة هجومية فتّاكة، ويرفض الحلف أي تعهدات يمكن أن تفسّر على أنها رديفة للمادة الخامسة من معاهدة واشنطن المؤسسة له، والتي تُلزم الدول الأعضاء بمساعدة أي عضو يتعرّض لاعتداء خارجي، ما يؤدي في هذه الحالة إلى دخول الحلف الأطلسي في الحرب مباشرة ضد روسيا، مع أنه في الحقيقة منخرط فيها إلى النخاع.

ونظراً لتردد الحلف في دعوة أوكرانيا للانضمام إلى "الناتو" فقد يمتنع زيلينسكي، من حضور قمة "فيلنيوس" فقد قال الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ: إنه غير واثق تماماً من مشاركة رئيس أوكرانيا، فلاديمير زيلينسكي، في قمة الحلف المنتظرة في فيلنيوس.

وقال نائب رئيس مكتب الرئيس الأوكراني، إيغور جوفكفا، في وقت سابق خلال مقابلة مع "رويترز" إن زيلينسكي لن يذهب إلى قمة الناتو في فيلنيوس، إذا لم يظهر قادة دول الحلف "الشجاعة" لدعوة أوكرانيا للانضمام إليهم.

ووفقا لتقرير قناة "سكاي نيوز"، قال ستولتنبرغ إنه من المستحيل أن تكون "متأكدا بنسبة 100%" من أن زيلينسكي، سيحضر القمة.

وأضافت القناة أن قرار زيلينسكي، بحضور القمة قد يعتمد أيضاً على ما إذا كان راضياً عن إشارات الحلفاء حول العضوية، لكن ستولتنبرغ، قال مع ذلك، إنه واثق "تماما" من التوصل إلى اتفاق مقبول لكييف، بشأن مستقبل أوكرانيا في الكتلة خلال الاجتماع.

وستعقد قمة الناتو يومي 11 و12 يوليو، وستجمع قادة جميع دول الحلف، بما في ذلك الرئيس الأمريكي جو بايدن.

وفي وقت سابق، قال مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك ساليفان، إن أوكرانيا لن تصبح عضواً في (الناتو) في القمة المقبلة للحلف في "فيلنيوس".

وفي مقابلة مع شبكة ABC News قال زيلينسكي: "نريد جميعاً أن يحدث هذا بشكل أسرع.(الإنضمام للناتو) كل يوم يمر يعني خسائر بين الأوكرانيين. نحن نمضي قُدماً، ولسنا عالقين في مكاننا".

وأردف في الوقت نفسه أن "الجميع يود أن يرى الهجوم المضاد يكتمل في إطار زمني أقصر"، كما زعم أنه لا يشعر بأي ضغط من شركائه في الغرب في سياق الهجوم المضاد.

وأضاف "لا أشعر بأي ضغط. هم يفهمون على ما يبدو مدى صعوبة وتعقيد البقاء على قيد الحياة، والقتال وخطف زمام المبادرة، بالنظر إلى القوة الشاملة لروسيا وحجم أسلحتها".

تجدر الإشارة هنا إلى أن الهجوم الأوكراني المضاد، كان قد بدأ في عدة اتجاهات جنوب دونيتسك، وزابوروجيه، وأرتيومفسك في 4 يونيو، بينما تركز الهجوم الرئيسي للقوات المسلحة لأوكرانيا على قطاع زابوروجيه.

 وألقت كييف في القتال بألوية قتالية درّبها الناتو وسُلّحت بمعدات غربية، بما في ذلك دبابات "ليوبارد"، وصواريخ ستورم شادو، وغيرها من الأسلحة الغربية الفتّاكة.

وتعتزم مجموعة من الدول، بينها أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، تقديم عرض لأوكرانيا يوفّر لها «حماية أمنية» عبر اتفاقات ثنائية أو جماعية تضمن لها استمرار تدفق المساعدات العسكرية والدعم التقني واللوجيستي على غرار ما تقدمه الولايات المتحدة منذ عقود لإسرائيل.

وتشمل هذه الاتفاقات مدّ أوكرانيا بأسلحة دفاعية وتكنولوجيا متطورة، وتبادل معلومات استخبارية، لكن ليس من المؤكد أن هذه الاتفاقات ستكون جاهزة لتوقيعها على هامش القمة.

 

روسيا وعلى لسان نائب رئيس مجلس أمنها، دميتري مدفيديف، جددت تهديدها بالنووي، حيث قال نائب رئيس مجلس الأمن الروسي في رسالة نشرها على حسابه في "تلغرام"، يوم الأحد: أنه "إذا تأكدت المعلومات عن محاولة مهاجمة محطة سمولينسك (ديسنوغورسك) النووية بصواريخ الناتو، فمن الضروري النظر في سيناريو الضربة الروسية المتزامنة على المحطة النووية في جنوب أوكرانيا، ومحطة روفنو النووية ومحطة خميلنيتسكي النووية".

ودعا مدفيديف، أيضاً لقصف المنشآت النووية في أوروبا الشرقية، مؤكدا أنه "لا يوجد شيء نخجل منه في الأمر".

وظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي في وقت سابق من يوم الأحد، معلومات تفيد بمحاولة القوات الأوكرانية شن هجوم صاروخي على محطة ديسنوغورسك للطاقة النووية في مقاطعة سمولينسك، ومطار كالوغا العسكري، مرجّحة أن تكون المحاولة قد تمت باستخدام صواريخ "ستورم شادو" بريطانية الصنع.

وذكرت الأنباء أن الشظايا التي تم العثور عليها في موقع سقوط الصاروخ، تشير إلى أن القوات الأوكرانية استخدمت "ستورم شادو"، لافتة إلى "أنه إذا تأكد هذا، فإن هجوم اليوم سيكون أول حالة مسجلة لاستخدام صواريخ من دول "الناتو" في العمق الروسي، وهو ما تعهدت أوكرانيا بعدم القيام به".

ولم يصدر تأكيد أو نفي رسمي من وزارة الدفاع الروسية بشأن صحة هذه الأنباء حتى اللحظة.

وبغض النظر عمّا يجري في "فيلنيوس" من استعدادات للقمة، فإن النتائج سوف تتكشف على الأرض الأوكرانية، مع أن كل المؤشرات تدل على أن الهجوم الأوكراني المضاد لم يرقى إلى مستوى تطلعات الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وبالتالي فإن سقف التوقعات لهذه القمة سوف يكون منخفضاً جداً، بالنسبة لأوكرانيا.

ويبقى باب المفاجآت مفتوحاً على مصراعيه طالما حلف الناتو على مشارف روسيا، وعلى حذفة حصى من بيلاروسيا، ولا يستبعد أن تكون قمة "فيلنيوس" آخر قمم الناتو، لاسيما في ظل الأسلحة الغربية التي حولت "فيلنيوس" إلى مستودع ذخيرة، قد ينفجر في أي لحظة، ولأي سبب.

وتبقى رسالة بوتين، التي يوجهها للغرب عامة، وللمجتمعين في "فيلنيوس" خاصة:

خُلِقتُ مِنَ الحَديدِ أَشَدُّ قَلباً

فَكَيفَ أَخافُ مِن كَرٍّ وَفَرٍّ

وَأَبطِشُ بِالكَمِيِّ وَلا أُبالي

وَأَعلو لِلسِماكِ بِكُلِّ فَخرِ

وَيَبصُرني الشُجاعُ يَفِرُّ مِنّي

وَيَرعَشُ ظَهرُهُ مِنّي وَيَسري

سَلوا عَنّي "زيلينسكي" وَقَد أَتاني

بِجُردِ الخَيلِ مِن بيضٍ وَسُمرِ

أَسَرتُ سَراتَهُم وَرَجَعتُ عَنهُم

وَقَد فَرَّقتُهُم في كُلِّ قُطرِ

وَها أَنا قَد بَرَزتُ اليَومَ أَشفي

فُؤادي مِنكُمُ وَغَليلَ صَدري.