
✍🏼 ملهي شراحيلي
منذ عودة ترامب، إلى البيت الأبيض، في العشرين من يناير المنصرم، عاد الملف النووي الإيراني للظهور إعلامياً، ولكن هذه المرة برسالة نارية بعثها ترامب، للجمهورية الإسلامية، مفادها:
أما المفاوضات أو قصف المنشآت النووية، مع فرض عقوبات اقتصادية، في حال فشل الحلول الدبلوماسية.
ففي مارس/آذار الماضي، كشف ترامب، عن رسالة بعث بها إلى طهران يعرض عليها فيها إجراء مفاوضات بهدف التوصل لاتفاق نووي جديد بعدما انسحب خلال ولايته الأولى في 2018 من اتفاق 2015. وهدد ترامب، في رسالته بقصف الجمهورية الإسلامية وبفرض عقوبات في حال فشل المساعي الدبلوماسية.
وأعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات جديدة على البرنامج النووي الإيراني قبيل المحادثات المرتقبة.
وقالت وزارة الخزانة الأمريكية، الأربعاء، أنها فرضت عقوبات على خمسة كيانات بينها منظمة الطاقة الذرية الإيرانية على خلفية البرنامج النووي، وكذلك على فرد واحد. وجاء في بيان لوزير الخزانة سكوت بيسنت، أن "سعي النظام الإيراني المتهوّر لحيازة أسلحة نووية ما زال يشكل تهديداً خطيراً للولايات المتحدة وتهديداً للاستقرار الإقليمي والأمن العالمي"، متعهداً "بتعطيل أي محاولة من جانب إيران للدفع قدما ببرنامجها النووي".
دفعت هذه الإجراءات، إلى قبول طهران الجلوس على طاولة المفاوضات، خصوصا بعد تحريك طائرات بي 52 (وهي قاذفة قنابل أمريكية استراتيجية بعيدة المدى) وحاملة الطائرات وغيرها من التحركات التي تدخل في باب الردع والردع المضاد ما بين البلدين.
ومن المُرتقب أن تنطلق غداً السبت في سلطنة عمان مفاوضات بين واشنطن وطهران، محورها الأساسي الملف النووي الإيراني.
وفي حين أعلن ترامب عن محادثات مباشرة مع إيران، تؤكد طهران أنها ستكون غير مباشرة!!، ويرجّح مراقبون، بأنها ستكون "مباشرة" لا سيما وأن ترامب، لوّح بقصف إيران وبفرض عقوبات إضافية على قطاعها النفطي في حال فشلت السبل الدبلوماسية.
كما أن الجمهورية الإسلامية تخشى أيضاً من انقلاب الجبهة الداخلية بعد تراجع نفوذها والضربات التي لحقت بالجماعات الموالية لها بالمنطقة.
وقبل الدخول في طبيعة هذه المفاوضات، ونوعيتها، وماهي الملفات التي سوف تبحثها، تبرز أولى نقاط الخلاف، وهي:
هل هي مفاوضات مباشرة أم غير مباشرة؟!؟
ورغم أن هذه الجزئيه تعتبر هامشية، إلا أن لها أهمية كبيرة للجانبين على حد سواء!!.
فإيران تحاول أن تحافظ على ماء وجهها، على الأقل عند مواطنيها، وهذا مايتضح جليّاً من خلال إصرارها بوصفها للمفاوضات بأنها غير مباشرة!!
فإصرار إيران على القول إن المفاوضات لن تكون مباشرة "هو مجرد خطاب موجّه لجمهورها بأنها لا تفاوض ولا تجلس مع الشيطان الأكبر الذي يقتل أطفال غزة، وإذا اعترفت بأنها مباشرة فذلك سيضرب مصداقيتها، لأنها تقول إن أمريكا هي إسرائيل فكيف تجلس مع إسرائيل؟ طبعا هذا خطاب للدهماء.
والحقيقة التي لن تستطيع إيران دحضها، أن مفاوضات مسقط بين إدارة ترامب، وإيران، ستكون مباشرة وهذا بمثابة "التحول النوعي والدراماتيكي في الموقف الإيراني" لناحية دخولها في مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة التي كانت تعتبرها "الشيطان الأكبر".
في المقابل ترى الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب، أن قبول إيران، الجلوس على طاولة المفاوضات، إنجازاً سياسياً، كونها استطاعت إجبار طهران على التفاوض.!!
واللافت للنظر في هذه المفاوضات، قبل انطلاقها هذا التحول المفاجئ والسريع في الموقف الإيراني، بقبولها التفاوض، وهذا يجعلنا نتساءل عن دوافع قبول إيران "التفاوض بهذه السرعة بعد يومين فقط على إعلان ترامب، من البيت الأبيض بحضور نتانياهو، عن هذه المفاوضات؟!؟
ولايمكن تفسير موقف إيران إلا بالخضوع لمطالب ترامب، وشعور المؤسسة الدينية في إيران بأنها مضطرة للموافقة على المحادثات بسبب مخاوف من أن يؤدي الغضب من تدهور الاقتصاد إلى اندلاع احتجاجات، ناهيك عن أخذ تهديدات ترامب، باستخدام القوة، على محمل الجد.
وبغض النظر عن مبررات إيران في سرعة الانخراط في هذه المفاوضات التي بالفعل بدأت تحضيراتها في العاصمة العمانية مسقط، وسوف تعقد أولى جلساتها غداً السبت، فالسؤال الأهم:
ماهي الملفات التي سوف تبحثها، هذه المفاوضات؟!؟
وما هي القضايا التي سوف يتم نقاشها؟!؟
ولكن قبل فتح تلك الملفات، والغوص في أهم نقاط المفاوضات، لابد من الإشارة، ولو على عجالة، إلى براعة وخبرة فريق التفاوض لكلا الفريقين، لأن نجاح أو فشل المفاوضات يعود لقدرة ومهارة المفاوض، ليس في طرح أفكاره فحسب، بل وفي مقدرته على قراءة أفكار الطرف الآخر للحصول على تنازلات وبالتالي رفع أو خفض سقف المفاوضات.
ولايخفى على القارئ الكريم، أن على رأس الوفد الأمريكي، في هذه المفاوضات، تاجر العقارات الأمريكي، ستيف ويتكوف، وهو لايمتلك أي خبرة سابقة في مجال السياسية الخارجية!!!.
تولى "ويتكوف" أحد أهم المناصب في العالم كمبعوث خاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى الشرق الأوسط، ومذاك قاد محادثات بالغة الأهمية بشأن غزة وأوكرانيا.
برز قطب العقارات ستيف ويتكوف، لأول مرة عندما أشاد به صديقه المقرب دونالد ترامب، لدوره في إبرام هدنة في الحرب بين إسرائيل وحماس.
ورغم انهيار وقف إطلاق النار بعد أسابيع، مكّن من إطلاق سراح 25 رهينة على قيد الحياة وإعادة رفات ثمانية آخرين.
ولاحقا، أصبح يتكوف، وهو ملياردير يبلغ 68 عاما وشريك ترامب، الدائم في لعب الغولف، أول مسؤول أميركي يزور غزة منذ بدء الحرب عقب هجوم حماس على إسرائيل عام 2023.
وكانت أيضا أول زيارة يقوم بها مسؤول أميركي للقطاع منذ 15 عاما.
دافع "ويتكوف" عن تصريح ترامب المثير للجدل بأنه يريد “الاستيلاء” على الأراضي الفلسطينية وتهجير سكانها البالغ عددهم مليوني نسمة. وقال للصحافيين في البيت الأبيض “عندما يتحدث الرئيس عن تطهيرها، فإنه يتحدث عن جعلها صالحة للسكن، وهذه خطة طويلة الأمد”.
وقاد "ويتكوف" المفاوضات بشأن أوكرانيا بعدما تراجع ترامب، عن سياسة سلفه جو بايدن تجاه روسيا.
وكان ويتكوف في روسيا للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما اندلعت فضيحة بسبب محادثة مسربة حول غارة جوية يمنية على تطبيق سيغنال، شملت مستشار الأمن القومي مايك والتز ومسؤولين آخرين.
وتعرّض ويتكوف نفسه لانتقادات من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بسبب إشادته ببوتين وظهوره كأنه يُضفي الشرعية على ضم روسيا لأجزاء من أوكرانيا.
وفي آذار/مارس، كان ويتكوف، موفد ترامب في السعودية لإجراء محادثات بشأن أوكرانيا، مُعربا عن تفاؤله بأن أي اتفاق يُبرم قد يُمهّد الطريق لوقف إطلاق نار “شامل”.
وجعل ترامب، من إنهاء الحروب التي لم يستطع سلفه بايدن، وضع حد لها هدفاً في سياسته الخارجية، مما يعني أن المخاطر هائلة بالنسبة إلى ويتكوف.!!
على النقيض من ويتكوف، يعد عراقجي، دبلوماسياً محترفاً ومهندساً رئيسياً للاتفاق النووي لعام 2015، وسيضغط على الولايات المتحدة لرفع عقوباتها القاسية على إيران.
يجيد الرجل البالغ 62 عاماً والذي ينحدر من عائلة تجار سجاد، اللغة الإنجليزية، وله مسيرة مهنية طويلة حملته إلى تأدية أدوار متعددة في وزارة الخارجية الإيرانية.
تخرّج عراقجي، الذي يعرف بهدوئه، من كلية العلاقات الدولية في وزارة الخارجية، وحصل على شهادة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة آزاد الإسلامية، وشهادة الدكتوراه في الفكر السياسي من جامعة كنت في إنجلترا.
بعد الثورة الإسلامية عام 1979، انضم عراقجي، إلى الحرس الثوري الإسلامي. خدم في الخطوط الأمامية خلال الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينات القرن الماضي قبل أن ينضم إلى وزارة الخارجية كخبير في الشؤون الدولية.
عُيّن عراقجي، وزيراً للخارجية بعد تولي الرئيس مسعود بزشكيان، الذي دعا إلى إحياء المحادثات مع الغرب، منصبه في يوليو.
وكان كبير المفاوضين في المحادثات التي تُوّجت بالاتفاق النووي التاريخي عام 2015 مع القوى العالمية والذي فرض قيودا على البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات.
لكنّ خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) انهارت بعد انسحاب الولايات المتحدة أحادياً منها خلال ولاية دونالد ترامب، الأولى، وإعادة فرض عقوبات اقتصادية شاملة.
أما أهم القضايا التي من المتوقع أن تعالجها المفاوضات الأمريكية الإيرانية، فهناك ثلاثة ملفات لن يحيد عنها الأمريكيون: النووي ، الصواريخ الباليستية، وأمن واستقرار المنطقة، سواء كان الممرات الحيوية الإستراتيجية أو حتى ملف الأذرع (الجماعات المحسوبة على إيران بالمنطقة أو ما يعرف بمحور المقاومة).
والسيناريوهات مركبة ومقعدة جداً من حيث التوقيت أو المكان، لاسيما وأن منطقة الخليج العربي تصدر 40 بالمئة من حجم الطاقة إلى العالم، وفشل معالجة هذه الملفات، يعرض المنطقة والعالم للخطر، خصوصاً إذا ما توسعت المفاوضات لتشمل نسبة تخصيب اليورانيوم والبرنامج الصاروخي والطائرات المسيّرة والدور الإقليمي والحرس الثوري وفيلق القدس.
وسوف تزداد المفاوضات تعقيداً إذا ما أصرت الولايات المتحدة الأمريكية، على تطبيق النموذج الليبي، على برنامج إيران النووي، لأن هذا يعني تفكيك البرنامج النووي ونقله للخارج.
إن مما لاشك فيه أن المفاوضات الأمريكية الإيرانية، الجارية في مسقط، جاءت تحت التهديد، ليس بالكلمات فقط، بل بتحريك قطع عسكرية، لاسيما بعد أن ارسلت واشنطن فعلياً حاملة طائرات ثانية إلى المنطقة وأرسلت طائرات إف35 الأحدث في ترسانتها الجوية، على غرار إرسالها قاذفات بي2 الاستراتيجية إلى قاعدة دييغو غارسيا (وهي قاعدة عسكرية أمريكية بريطانية مشتركة على جزيرة دييغو غارسيا في المحيط الهندي).
هذا يعني أن الأمر جادّ فعلاً وربما تكون مفاوضات عُمان هي الفرصة الأخيرة لتفادي الصدام المحتمل خاصة وأن إسرائيل تدفع نحو هذا الاتجاه يدعمها عدد من الصقور المحيطين بالرئيس ترامب، الذي يبدو متأهباً لشن حرب جديدة بالشرق الأوسط.
إن الحشد العسكري الأمريكي الهائل بالمنطقة ما هو سوى مؤشر على أن هذه هي آخر فرصة للإيرانيين، الذين لم يبق أمامهم سوى خيارين لا ثالث لهما:
إما الركون إلى السلام أو الإنهيار، إن عاجلاً أو آجلا، بعد أن فقدت الجمهورية الإسلامية رفاهية اللعب على الوقت والمتناقضات.
هذه المؤشرات وغيرها الكثير وإن كانت لاتعني قطعاً استعداد الولايات المتحدة الأمريكية لتفكيك البرنامج النووي الإيراني بالقوة، إلا أنها تبعث برسالة واضحة أنها جادة في تفاوضها مع إيران على التخلي عن سلاحها النووي، وترسانتها العسكرية بالطرق السلمية، وإلا فإن الخيار العسكري هو الحل، وهذا بالفعل مايتضح من خلال عملية النقل العسكري وإعادة التموضع لاثنتين من حاملات الطائرات الأمريكية ونقل ست من الطائرات بي2 التي تحمل على متنها 18 ألف طن من المتفجرات والسفن المصاحبة لحاملات الطائرات ودعم القوات لتبلغ حوالي 40 أو 50 ألف في منطقة الشرق الأوسط.
وهذا يعني أن الموضوع جدي للغاية وبأن إيران الآن في وضع خطير، أولا: بسبب الوضع الاقتصادي والتضخم، وأيضا بعد بتر أذرعها التي لطالما كانت تستخدمها كورقة تفاوضية مهمة.
ولطالما أعلن ترامب، أنه سيتبع مجدداً سياسة "أقصى الضغوط" مع إيران، وهي سياسة ساهمت خلال ولايته الأولى بين عامي 2017 و2021 في وضع الاقتصاد الإيراني على شفا الإنهيار عن طريق فرض عقوبات على صادرات النفط رغم أن طهران وجدت طرقاً للتهرب من الحظر.
لكن الآن وبعد تدمير حزب الله الإرهابي في لبنان، وشن ضربات على الحوثيين في اليمن، وتقديم تنازلات لروسيا في أوكرانيا، لكي ترفع يدها عن إيران،
فإن خيارات إيران باتت محدودة، وقدرتها على المناورة ضعيفة جداً، وإن كانت تمتلك فريق تفاوضي متمكن، في المقابل فإن الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك أدوات ضغط هائلة رغم أن فريقها التفاوضي محدود الإمكانات وعديم الخبرات.
ختاماً فإن مفاوضات مسقط، لن تكون صعبة فقط، بل ستكون معركة كسر عظم، ورغم أنها قد تشهد تنازلات إلا أنها لن تخلو من المفاجآت، وستكون مفاوضات مختلفة عن أي مفاوضات أخرى جرت بين البلدين لأن الواقع الإقليمي والدولي اختلف بشكل كبير حيث فقدت إيران الكثير من قوتها ونفوذها في المنطقة وهي تعاني من أزمات اقتصادية ومالية كبيرة.
هذه المعطيات، تعطي ترامب، فرصة على طبق من ذهب، وهي الفرصة الأسهل لتعميق شعبيته، ورفع رصيده السياسي، ولا أظن أن ترامب، سوف يفوت هذه الفرصة السانحة، بل لا أشك مطلقاً أنه سيضرب ضربته، وكما قال إبن المُقري :
اضربْ بسيفِ العزم أَعناق الكرى
وانظم شتات الأرض في سلك السرى
واجسر على فَقدِ الأَحِبّةِ إِنه
من خافَ من مرَضين داوى الأَخطرا.
MelhiSharahili@gmail.com
(0) التعليقات
لا توجد تعليقات