✍️ ملهي شراحيلي
تتراقص أوروبا من شرقها إلى غربها، ومن جنوبها إلى شمالها على وقع الانتخابات البرلمانية التي شهدتها القارة العجوز، وفازت بها الأحزاب اليمينية "المتطرفة"، بحسب ما أُعلن مساء الأحد.
فقد شهدت الانتخابات الأوروبية صعوداً (كان متوقعاً) لتيار "اليمين المتطرف" في عدد من الدول، محدثةً زلزالاً سياسياً في أوروبا قاطبة، وفي فرنسا تحديداً، لكن دون الإخلال بالتوازن السياسي في بروكسل، على الأقل لحد الآن.
وتؤكد المعطيات الأولية إحراز الأحزاب اليمينية القومية والمتطرفة مكاسب مهمة وانتكاسة مريرة لزعيمي القوتين الرئيسيتين في الاتحاد الأوروبي، المستشار الألماني أولاف شولتز، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي أعلن حل "الجمعية الفرنسية" ودعا إلى انتخابات تشريعية في الـ 30 من يونيو (حزيران) الجاري.
وجرت الانتخابات التي دُعي إليها أكثر من 360 مليون ناخب لاختيار 720 عضواً في البرلمان الأوروبي منذ الخميس الماضي في مناخ مثقل بالوضع الاقتصادي القاتم والحرب في أوكرانيا، فيما يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات إستراتيجية من الصين والولايات المتحدة.
هذا الفوز الكاسح لليمين المتطرف، من المتوقع أن يجبر بوصلة برلمان أوروبا نحو اليمين، مما يعني أن المجلس قد يكون أقل حماساً للسياسات الرامية إلى معالجة تغير المناخ، بينما سيكون حريصاً على التدابير الرامية للحد من الهجرة إلى الاتحاد الأوروبي، وهو تكتل يضم 450 مليون مواطن.
لطالما حملت أوروبا طموحاً كبيراً، بأن تكون في صدارة العالم عندما يتعلق الأمر بالبيئة، ولكن ناخبي أوروبا يزداد قلقهم بشأن تكلفة الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر.
وهذه إحدى العقبات التي يختلف اليمين عن اليسار ليس في أهميتها فحسب، بل وفي طريقة وكيفية معالجتها!.
إن الاحتجاجات الجماهيرية الأخيرة للمزارعين، والتي نزلوا فيها بجراراتهم من جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي إلى بروكسل والبرلمان الأوروبي، مما أدى إلى شلل الحركة فيهما، ليست سوى مؤشر على فشل التشريعات الأوروبية عن معالجة هذه القضية وفق الرؤية اليسارية التي بدأت تفقد قبضتها، مما سمح لليمين بتوظيفها لصالحه.
وتأتي الحرب الروسية الأوكرانية كقضية ملحة تحتاج إلى قوانين وتشريعات برلمانية أكثر جدوى وفي ذات الوقت أقل ضرراً على المواطن الأوربي الذي وجد أن الأحزاب اليمينية لديها القدرة أكثر من الحكومات اليسارية التي فشلت فشلاً ذريعاً في حلحلة هذه القضية، بل ووجدت الشعوب الأوربية أن التشريعات والقوانين التي سنتها حكوماتهم ضد روسيا، أثرت عليهم أكثر من تأثيرها على روسيا، فلم يكن أمامهم خياراً سوى التوجه نحو الأحزاب اليمينية.
أما قضية الهجرة التي تضج مضجع أوروبا فإن الأحزاب اليمينية لديها رؤية أوسع تتلخص في تشديد القوانين والتشريعات التي تحد من الهجرة، واستطاعت هذه الأحزاب إقناع الناخب الأوربي الذي يرى في هذه المعالجة حلّاً لكابوس الهجرة.
القضية الأخرى التي لاتقل أهمية عن القضايا السابقة، قضية الأمن القومي الأوروبي، وبما أن أوروبا تدين للولايات المتحدة الأمريكية في الدفاع عنها، غير أن وصول ترمب، (المتوقع) للسلطة مرة أخرى بنهاية هذا العام، فهذا يعني أن تعتمد أوروبا على أمنها بنفسها، ولذا فلم يكن أمام الناخب الأوروبي سوى دعم الأحزاب اليمينية، بعد أن ضاق ذرعاً بسياسة أمريكا وساسة اليسار الأوروبي.
وبناءً على ماسبق فإن الفرق بين اليمين واليسار ليس في تحديد أولويات الشعوب الأوربية فحسب، بل وفي معالجة القوانين والتشريعات القائمة.
مما يعني أن التسمية(يمين متطرف) ليست سوى وصف سياسي لهذه الأحزاب التي لديها توجه مغاير للأحزاب اليسارية الحاكمة.
بعبارة أخرى، إن نجاح الأحزاب اليمينية القومية والمتطرفة، لا يعني خروج أوروبا من أزمَاتها ومشاكلها، بقدر مايعني البحث عن أدوات جديدة لمعالجة المشاكل والقضايا التي تمرّ بها أوروبا.
واكتساح الانتخابات البرلمانية الأوروبي من قبل الأحزاب اليمينية، يمهد الطريق لوصول تلك الأحزاب للسلطة.
وإذا ما ربطنا مايجري في أوروبا بما يجري في أوكرانيا، سوف يتضح جليّاً أن الحكومات الأوروبية فشلت ليس فقط في إدارة الأزمة في أوكرانيا، بل ولم تستطع أن تمنع تأثيراتها وتداعياتها المباشرة وغير المباشرة على الشعوب الأوربية، فكانت النتيجة الطبيعية هذا الزلزال السياسي الذي هز برلمان أوروبا.
إن التهم التي تحاول الحكومات الأوروبية سواءً في فرنسا أو ألمانيا أو غيرها من دول أوروبا للأحزاب اليسارية ووصفها بالتطرف، والتشكيك في وطنيتها الأوروبية وقوميتها، ليست سوى تهم سياسية، مع أن العديد من قادة تلك الأحزاب اليمينية تبدي توددها لروسيا، ولا تستنكف من تقربها للصين، ولا تجد غصاصة في ذلك، إلا أن ذلك لم يكن ليوقفها، ورغم الحرب الإعلامية وتهم الفساد التي يتم تلفيقها ضد قادة تلك الأحزاب من قبل الحكومات الأوروبية.
على أي حال ورغم أن البرلمان الأوروبي الذي اكتسح من الأحزاب اليمينية، ليس سوى سلطة تشريعية في الإتحاد الأوروبي، إلا أنه المحدد الرئيسي لتوجهات أوروبا تشريعياً، مما يعني أن أوروبا خلال الفترة القادمة سوف تعطي ظهرها لليسار، وتقبُل على اليمين حتى وإن كان متطرفاً، المهم أن تقف تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية عند هذا الحد.
MelhiSharahili@gmail.com
(0) التعليقات
لا توجد تعليقات