✍️ ملهي شراحيلي
ونحن نستعد لاستقبال فصل الصيف العزيز، رغم لواهبه، ومتاعبه، ورغم ما يكوينا به من سمومه، إلا أنه يظل ضيفاً عزيزاً، لايخلف مطره، وإن زاد ضرره.
ومع أننا لانزل في مقدماته الفصلية، إلا أن هذه المقدمات لا تعني سوى أننا سوف نعيش صيفاً مختلفاً هذا العام، لاسيما في الأجزاء الجنوبية والحنوبية الغربية وتحديداً في جازان.
وربما بسبب هذه المقدمات الملتهبة لصيف هذا العام، تبادر إلى ذهني سؤال:
لماذا لا يكون الدوام في فصل الصيف، خلال الفترة المسائية؟!؟
على الأقل لبعض الجهات الخدمية والإدارات الحكومية، ولنأخذ على سبيل المثال، مراكز الرعاية الصحية الأولية، كوني أحد منسوبيها، وتجربتي فيها أعمق.
من البديهيات أن حرارة الصيف لاتؤثر فقط على نشاط البشر، وتحد من تحركاتهم، بل أن تأثيرها يمتد ليشمل المنشآت وما فيها من معدات وأدوات.
وبما أننا بفضل الله، ثم بفضل حكومتنا الرشيدة، أعزها الله نمتلك بنية تحتيه من أفضل البُنى على مستوى العالم، من مباني حكومية مجهزة بكافة الأدوات اللازمة من إضاءة وتكييف وخدمات إلكترونية، تجعل الليل أشبه بالنهار، ولكنها لن تستطيع أن تجعل النهار ليلاً.
أقول رغم ما وفرته الحكومة من موارد مادية وبشرية، ورغم ما سخرته من إمكانيات، غير أن الوصول إلى تلك المرافق في فصل الصيف، خاصة في النهار، وتحديداً مابين التاسعة صباحاً إلى الثالثة عصراً يُعتبر صعباً إن لم يكن مستحيلاً، بل إن الخروج في ذلك الوقت لاسيما على بعض الفئات البشرية، يعتبر مغامرة صحية، قد تنتهي بحالة مرضية.
فلماذا لايتم اعتماد دوام الصيف في المراكز الصحية من الرابعة عصراً إلى الثانية عشر ليلاً!؟!
أو من الثالثة عصراً إلى الحادية عشر مساءً؟!؟
فهذه الفترة مناسبة ليس فقط للمواطن، للوصول إلى تلك المرافق الصحية، بل وتخدم تلك المرافق ومافيها من أجهزة تأنّ نهاراً تحت وطأة الهجير، فلا هي قادرة على العمل بكفاءة ولا المستفيد منها سواءً العاملين أو المراجعين يجد منها الفائدة المرجوة.
ثم إن تشغيل المراكز الصحية في هذه الفترة من ٤ إلى ١٢ سوف يخفف الضغط على مراكز الدوام الممتد، ومراكز الرعاية الصحية العاجلة التي تعمل ٢٤ ساعة، بل وحتى سوف يخفف الضغط على المستشفيات، التي تستقبل أفواج المراجعين الذين منعهم حر الصيف من مراجعة مراكزهم الصحية.
إن العاملين في مجال الرعاية الصحية الأولية، يدركون تماماً مايعنيه فصل الصيف لمراجعيهم، الذين يتخلفون عن مواعيدهم بسبب لهيب الصيف وسمومه. ولك أن تتخيل معي اخي القارئ الكريم، المعاناة التي يتكبدها كبير السن للحضور للمركز الصحي عند الواحدة ظهراً!!!.
أو طفل في شهوره الأولى، جيء به بغرض الحصول على تطعيمة من التطعيمات الأساسية التي يجب أن يأخذها!!.
إن المسافة التي يقطعها كبير السن من سيارته حتى يدخل المركز الصحي، مهما كانت قصيرة إلا أنها كفيلة برفع ضغطه، هذا إن لم تتسبب له في ضربة شمس، أو نزلة برد بسب الفرق الشاسع بين درجة الحرارة خارج المركز الصحي وداخله.
والحال كذلك مع المواليد والرضع والحوامل.
وإذا ما كنت تعتقد أن المراكز الصحية ليست مخصصة لكبار السن والأطفال والحوامل، أو كنت تظن أن هذه الفئات لاتشكل ذاك الرقم من مراجعي الرعاية الصحية الأولية، فاسمح لي أن أصحح لك، هذه الفكرة، من واقع تجربه وخبرة، فالمستفيد الأول من برامج الرعاية الصحية الأولية هم هؤلاء الفئات، وهم أكثر الفئات تأثراً بدرجات الحرارة وتقلبات الجو.
ثم إن الأدوية التي تُصرف للمريض أو المراجع معرّضة للتلف من أول ساعة!!، فخروجها من الثلاجة أو الصيدلية، ووضعها في سيارة درجة حرارتها ٤٥ درجة وربما أكثر، لايعرضها فقط للتلف بل ربما تسبب التسمم الدوائي لمن يتناولها.
ولذا فإن تغيير دوام المراكز الصحية في فصل الصيف، وتحويله من صباحي إلى مسائي من ٤ إلى ١٢ أو حتى من ٣ إلى ١١ ليلاً، لايخدم المراجع فحسب، بل ويخدم المنشأة الصحية، ويوفر طاقة، ويطيل عمر الأجهزة الكهربائية والإلكترونية التي هي أساس تلك المنشأة، ولولا وجودها لما استطاعت أن تؤدي دورها في خدمة المجتمع.
ويحقق للفئات الأكثر حاجة للرعاية، أقصى درجة من الرعاية الصحية الأولية في أفضل الأوقات بالنسبة لهم، مما يوفر عليهم من جهد، ويضمن لهم المحافظة على صحتهم، من خلال عدم تعريضهم للمجازفة بحياتهم في حرارة الصيف من أجل صرف علاجاتهم أو حصولهم على فحوصات روتينيه أو حتى استشارة طبية.
ثم إن حكومتنا الرشيدة أعزها الله لا تألوا جهداً في سيبل راحة المواطن والمقيم على ثراها، وأرى أن من راحة المواطن أن تتوفر له الخدمة، لاسيما خدمات الرعاية الصحية الأولية، في الوقت الأنسب له، وليس أنسب لكبار السن والنساء الحوامل والأطفال من تلك الفترة.
رغم توفر البدائل للمواطن، إلا أن خدمات الرعاية الصحية الأولية في مركزه، هي الأساس الذي تقوم عليه الصحة، فالمواطن يستطيع أن يذهب بعد العصر للمستشفى، أو لمراكز الرعاية العاجلة التي تعمل على مدى ٢٤ ساعة، ولكن في هذه الحالة ماذا استفاد المواطن من المركز الصحي الذي في حييه أو قريته؟
بل ماهو الهدف أساساً من مركز صحي لايُستفاد خدماته بسبب هجير الصيف وسمومه؟!؟
أنا شخصياً وبحكم عملي في مجال الرعاية الصحية الأولية لأكثر من ٣٠ عاماً، لا أجد سبباً مقنعاً يمنع تحويل دوام المراكز الصحية في فصل الصيف، بما يتناسب وحاجة المجتمع.
ولا أشك مطلقاً أن ليس في النظام مايمنع ذلك، بل أن النظام والشرع والشريعة الإسلامية السمحة قائمة أساساً على مصالح العباد، ومافيه لهم مصلحة.
ولكن إلى الآن لا أعلم ما المصلحة من عدم تحويل دوام المراكز الصحية في فصل الصيف، بما يناسب المجتمع ويخدمه، ويراعي مصالح المستفيدين من هذه المراكز الصحية.
لاسيما في ظل محدودية الطب الافتراضي والعيادات الافتراضية التي تنفذها وزارة الصحة، من خلال المراكز الصحية، ولكن حتى هذه الخدمة رغم محدوديتها إلا أنها، في الصيف تكون أكثر محدودية، بسبب حرارة الجو، مما ينعكس ليس على نشاط البشر، واحجامهم عن الإستفادة منها، بل أن شباكات الإتصالات ودوائر التواصل الإلكترونية، تكون أقل نشاطاً وأضعف جودة.
لذا فإن تحويل دوام المراكز الصحية للفترة المسائية في فصل الصيف، سوف يعمّق تجربة الطب الاتصالي، ويساعد في توسيع هذه الخدمة ويحسن من جودتها.
وفي الحقيقة والواقع ليست وحدها المراكز الصحية التي تحتاج إلى تحويل دوامها للفترة المسائية، بل كثيرٌ من الدوائر الحكومية وبخاصة الإدارات الخدمية، كالزراعة والبلدية، بحاجة لذلك، فما الفائدة من ري أشجار الشوارع بعد العاشرة صباحاً، وما الفائدة من تحصين المواشي ظهراً، وغيرها من الجهود والطاقات البشرية والمادية التي تُهدر بسبب الدوام الصباحي من ٨ إلى ٤ عصراً، في درجات حرارة تلامس الخمسين درجة مئوية!.
فهل تحويل الدوم في الصيف للمساء، نوع من أنواع الرفاهية أم حاجة مُلحّة، يفرضها علينا الصيف، وتقتضيها المصلحة؟!؟
في كل الأحوال يبقى الصيف رغم حرارته، من أفضل فصول العام، وكما قال إيليا أبو ماضي:
عادَ لِلأَرضِ مَعَ الصَيفِ صِباها
فَهيَ كَالخَودِ الَّتي تَمَّت حُلاها
صُوَرٌ مِن خُضرَةٍ في نَضرَةٍ
ما رَآها أَحَدٌ إِلّا اِشتَهاها
ذَهَبُ الشَمسِ عَلى آفاقِها
وَسَوادُ اللَيلِ مِسكٌ في ثَراها
وَنَسيمُ الفَجرِ في أَشجارِها
وَشوَشاتٌ يُطرِبُ النَهرَ صَداها
وَالسَواقي فِتَنٌ راقِصَةٌ
ضِحكَتُها شَدوٌ وَتَهليلٌ بُكاها
وَالأَقاحي صُوَرٌ خَلّابَةٌ
وَأَغاني الطَيرِ شِعرٌ لا يُضاهى
إِنَّها الجَنَّةُ فَاِعجَب لِاِمرِئٍ
هُوَ فيها وَقَليلاً ما يَراها
أَيُّها المُعرِضُ عَنأَزهارِها
لَكَ لَو تَعلَمُ يا هَذا شَذاها
أَيُّها النائِمُ عَن أَنجُمِها
خَلَقَ اللَهُ لِعَينَيكِ سَناها
أَيُّها الكابِحُ عَن لَذّاتِها
نَفسَهُ هَيهاتِ لَن تُعطى سِواها
لا تُؤَجِّل لِغَدٍ لَيسَ غَدٌ
غَيرَ يَومٍ كَالَّذي ضاعَ وَتاها
وَإِذا لَم تُبصِرِ النَفسُ المُنى
في الضُحى كَيفَ تَراها في مَساها
هَذِهِ الجَنَّةُ فَاِسرَح في رُباها
وَاِشهَدِ السِحرَ زُهوراً وَمِياها
وَاِستَمِع لِلشِعرِ مِن بُلبُلِها
فَهُوَ الشِعرُ الَّذي لَيسَ يُضاهى.
MelhiSharahili@gmail.com
(0) التعليقات
لا توجد تعليقات