المقالات

ماذا بعد الرد الإيراني؟!؟

ماذا بعد الرد الإيراني؟!؟

✍️ ملهي شراحيلي

كنت قد تحدثتُ في مقال سابق، كان لي شرف نشره في صحيفة أقلام الخبر المرموقة، صبيحة يوم السبت، بعنوان:

هل تفعلها إيران؟!؟

وللأمانة كنت أتوقع أن يبدأ الرد الإيراني صباح السبت نظراً لما يعنيه هذا اليوم بالنسبة لليهود، ولكن تأخر الرد إلى مابعد منتصف ليل الأحد، واستمر إلى فجر الأحد. 

وإنني إذ أشير إلى ذلك المقال، ليس من باب الدعاية له، رغم أنني وبفضل الله قد وفقت فيه من حيث تحليل الوضع، وترجيح السيناريو الذي سوف يكون عليه الرد الإيراني، وقد جاء بالفعل كما توقعت فلله الحمد على توفيقه، وإنما أشير إليه هنا لكي يكون القارئ الكريم على إطلاع وتجنباً للتكرار، وكون هذا المقال ليس سوى امتداد لذلك المقال السابق. 

 

وعليه فإننا الآن في انتظار الرد الإسرائيلي، والذي كما أشرت في مقالي السابق، سوف يكون على ثلاثة احتمالات وهي:

أما أن تتغاضى إسرائيل عن حقها بالرد، وهذا كما استبعده في مقالي السابق، فإنني أعيد استبعاده هنا، وقد ظهرت بالفعل مؤشرات رغم ضحالة الرد الإيراني، إلا أن إسرائيل عازمة على الرد، وكما قال ‏رئيس لجنة الشؤون الخارجية والأمن الإسرائيلي: "ردنا على إيران قد يكون مُختلفاً ومؤلماً."

وهنا نأتي إلى تحليل الاحتمالين الآخرين. 

فالاحتمال الثاني، أن ندخل في دوامة لن تنتهي من الرد والرد على الرد. 

ومع أن هذا الاحتمال بات مؤكداً، لاسيما بعد الدعم السياسي الذي حصلت عليه إسرائيل سواءً من خلال أعضاء مجلس الأمن الذي عقد جلسة خاصة لمناقشة تداعيات الرد الإيراني، بالإضافة إلى الدعم الأمريكي منذ اللحظة الأولى لبدء تنفيذ الرد الإيراني، وكذلك الدعم الدولي من عدد من دول العالم.

وعليه فإننا نتجه إلى الاحتمال الثالث، وهو اتساع دائرة المعركة ودخول دول أخرى في الصراع.

 

لايخفى على القارئ الكريم، أن المماحكات الإسرائيلية الإيرانية، ليست حديثة، ولا حتى المواجهة المباشرة بينهما ليست جديدة، لاسيما من جانب إسرائيل خاصة، فقد نفذت عدد من الهجمات داخل الأراضي الإيرانية، غير أن ماحدث فجر الأحد، يعتبر أول هجوم لإيران بشكل مباشر على إسرائيل. 

ورغم الضبابية والتكتم على الأضرار والخسائر التي ربما تكون منيت بها إسرائيل، إلا أن هذا الحدث ليس سوى مقدمة لأحداث تاليه، وموجات متتابعة سوف تنفذها إيران، حتى وإن لم ترد إسرائيل، مع أنني أعتقد جازماً أن إسرائيل سوف تستغل هذا الحدث وتوظفه لصالحها بغض النظر عن الأضرار والخسائر التي لحقت بها.

وهنا يتساءل المرء، عن آلية الرد الإسرائيلي، ومكان وزمان الرد؟

ولكن قبل الغوص في ذلك، يجب الوقوف على الردود الدولية، والمواقف التي خلّفها الرد الإيراني على الساحة الإقليمية والعالمية، وردات الفعل الغربية والشرقية على هذا الحدث.

 

لقد استطاع الإعلام الغربي، لاسيما الأمريكي، تهيئة العالم، للقبول بحدوث الرد الإيراني، وساعده في ذلك تصريحات المسؤولين الإيرانيين، لوسائل الإعلام، حتى وإن كان عبر التهديدات، بالإضافة إلى إشعار الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأخرى، من قبل المسؤولين الإيرانيين، قبل تنفيذ الرد بأكثر من ٧٢ ساعة، باعتراف الحكومة الإيرانية وقادتها، وإن كان هذا يندرج في قوانين الاشتباكات العسكرية، إلا أنه أعطى إسرائيل الفرصة للاستعداد، على عكس ماكان يشاع عن التهديدات بأنها نوع من الحرب النفسية. 

إن هذا الأمر(تسريب ساعة الصفر) إن صح التعبير، كان محل ترحيب وتقدير بالنسبة لأمريكا وبعض الدول الأخرى، وحتى إسرائيل، وكأنه جاء على شكل مقايضة بين إيران من جهة وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى، على شكل، طالما اشعرتمونا فلا مانع من تنفيذ الهجوم!!!.

ولذلك عندما بدأ الهجوم لم تكن للمفاجئة وجود، ولا لعنصر المباغته حضور، بل استعتدت القواعد العسكرية الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة، بالإضافة إلى وسائل الإعلام لنقل الحدث مباشرة.

 

عند تنفيذ الهجوم، ليست إسرائيل وحدها من كانت معنية بالأمر، فالقطع العسكرية الأمريكية، والبريطانية والفرنسية، المنتشرة في البحر الأحمر، وخليج عدن، والبحر المتوسط، بالإضافة إلى بعض القواعد العسكرية الأمريكية في العراق وسوريا وإسرائيل وغيرها من الدول، كانت مستعدة وجاهزة لإسقاط الصواريخ والمسيرات الإيرانية قبل دخولها الأجواء الإسرائيلية. 

وهنا تأتي مقايضة أخرى، ولكن هذه المرة بين إسرائيل وأمريكا وفرنسا وبريطانيا، وما اشتباكهم مع الأسلحة الإيرانية، إلا لكي لا تعاتبهم إسرائيل بسبب سماحهم لإيران بضربها، وكأنهم بهذا يقولون لإسرائيل نحن سمحنا لإيران بتنفيذ ردها، ونتعهد لك يا إسرائيل بإبطال مفعول هذا الهجوم عليك.

فالصواريخ الإيرانية والمسيرات لم تصد منها إسرائيل سوى ١% فقط بينما ٩٩% منها أسقط من قبل القطع العسكرية الأمريكية والبريطانية والفرنسية، وبعض القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة. 

 

قبل أن ينتهي الهجوم أعلنت أمريكا والدول الغربية إدنتها بأشد العبارات الهجوم الإيراني على إسرائيل!!.

مع أنها هي من سمحت، أو بالأصح لم تبدِ معارضتها العلنية له قبل تنفيذه.!.

وإذا ما كنتَ تتساءل أخي الكريم القارئ:

هل كانت أمريكا تستطيع منع إيران من تنفيذ هجومها على إسرائيل؟

فمن وجهة نظري الشخصية نعم كانت تستطيع. 

ولم يتوقف الأمر عند التنديد بأشد العبارات بالهجوم الإيراني، بل ماهي إلا ساعات قليلة، وعقد مجلس الأمن الدولي، جلسة خاصة لمناقشة تداعيات الرد الإيراني، أو الهجوم الإيراني على إسرائيل، وفي هذا ليس دعم لإسرائيل فقط بل وتحريض مباشر لها بالرد!.

 

وهذا يجعل احتمال اتساع دائرة المعركة ودخول دول أخرى في الصراع بين إيران وإسرائيل، أمراً وارداً، لاسيما إذا ما أخذنا في الإعتبار الموقف الروسي، الذي لم يفوت جلسة مجلس الأمن، لمناقشة تداعيات الرد الإيراني، للنيل من الغرب (أنصار إسرائيل) ووصفهم بالنفاق، وهو بهذا لايبرر الهجوم الإيراني، وإنما يحثها على تكراره. 

ولكن الدعم الغربي سياسياً وعسكرياً، أقوى بكثير من الدعم الروسي، على الأقل الدعم العلني، ولذلك وبما أن الغرب ساعد إسرائيل في إفشال الهجوم الإيراني، وعزز موقف إسرائيل، بالوقوف العلني والتعهد بالدفاع عنها، ونصرتها سياسياً في مجلس الأمن، فهذا يشجع إسرائيل لمهاجمة إيران تحت ذريعة الرد على هجومها. 

أما كيف؟ ومتى، وأين؟

فلبنان والعراق وسوريا واليمن، سوف تكون مستباحة لإسرائيل، وخلال الأيام والأسابيع القادمة سوف تسرح فيها إسرائيل وتمرح، بالإضافة إلى عموم الأراضي المحتلة. 

وسوف تكون السفن الإيرانية هدفاً لإسرائيل متى ما سنحت لها الفرصة. 

ولا استبعد أن تستغل إسرائيل هذا الزخم السياسي والعسكري الذي حصلت عليه من أمريكا والغرب، في مهاجمة السلاح النووي الإيراني المزعوم.

وأقول المزعوم لأنني إلى هذه اللحظة لا أعتقد أن لدى إيران البنية التحتية اللازمة لصناعة سلاح نووي، رغم أنها تصرح بامتلاكها ذلك.

وسواءً كانت تمتلك أو لا تمتلك فإسرائيل، سوف تهاجمها عاجلاً وليس آجلاً.

وإذا كانت أمريكا عبر رئيسها أعلنت بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل، أنها لن تشترك في أي هجوم إسرائيلي مرتقب على إيران، فإنها لن تتردد في الدفاع باستماته عن إسرائيل.

 

بالمقابل فإن روسيا، بتبريرها الهجوم الإيراني، ناهيك عن التنديد به أو شجبه، يبعث برسالة لإيران بأنها سوف تكون تحت حماية الفيتو الروسي، في مجلس الأمن، ضد أي قرار يدينها أو يجرّمها، مما يغريها لخوض مغامرات إعلامية وعسكرية أخرى، ليس ضد إسرائيل فقط، بل على الأقل لتشتيت الغرب واشغاله في داومة من الرد والرد على الرد حتى تنتهي روسيا من أوكرانيا، أو تفتح جبهة جديدة في بولندا، مع الغرب.

 

وخلاصة القول أن روسيا نجحت بالفعل، على الأقل لحد الآن، في افتعال أزمات للغرب سواءً في إسرائيل مع حماس، أو من خلال إيران، ووكلاؤها في المنطقة. 

وهذا بالطبع لايعني أن القيادة الروسية، خارقة الذكاء، أو أن الغرب لم يستوعب الأحداث، وإنما لأن الغرب حالياً لايمتلك قيادة رشيدة واعية لما يدور حولها من أحداث، وقد قالها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب: لو كنت رئيساً لأمريكا لما تجرأت إيران على مهاجمة إسرائيل. 

وهو محق فيما قال، فليس مقتل قاسم سليماني، بضربة أمريكية، ذهبت دون رد، سوى غيض من فيض.

ولم يكن ليسمح لإسرائيل بمهاحمة قنصلية إيران في دمشق. 

إن الطريقة التي تتعامل بها القيادة الأمريكية الحالية مع الأحداث، طريقة سلبية وضارة لأمريكا وحلفائها وللعالم على حد سواء، لأنها وبكل بساطة أصبح تعاملها على شكل ردة فعل، دون أن تكون مبادرة في الأحداث والأفعال، وهذا ما عزز نحاح محاولات روسيا، عسكرياً، وسياسياً، وإن فشلت محاولاتها عسكرياً، فلن تفشل إعلامياً، من خلال التهديدات والكلام المُحنِقُ، كما قال الشاعر العثماني، نيقولا (أو نيقولاوس) الصائغ الحلبي:

لا تخدَعَنَّ نُهاكَ غِرَّات الصِبا

ومُخادعٌ بِخِداعهِ يتملَّقُ

فالنارُ أولها يكونُ شِرارةً

والحربُ مبدأها الكلامُ المُحنِقُ.

 

MelhiSharahili@gmail.com