المقالات

بقايا الإنسانية في محركات الذكاء الاصطناعية

بقايا الإنسانية في محركات الذكاء الاصطناعية

✍️ ملهي شراحيلي

تتسارع الخُطى، وتُشحذ الهِمم، وتتسابق الشركات، خلفها الشعوب والحكومات، نحو الذكاء الاصطناعي، في ثورة تقنية لم تشهدها البشرية.

وفي ظل هذا الحراك العلمي العالمي، الذي تقوده بعض الدول من خلال شركاتها التقنية، تتعالى الأصوات من هنا وهناك، منهم من يمدح هذه التقنية، ومنهم من يذمّها، والمتوسط بينهم يدعو إلى تنظيمها، وينادي بتقنينها.

فهل ينجح مادحوها والمتكسّبون من ورائها في تعميمها؟

أم ينجح المحذرون منها في وءدها؟

والأهم من هذا وذاك، ماهو الذكاء الاصطناعي؟

وما حاجة البشرية له؟

وهل فعلاً سوف يتسبب الذكاء الاصطناعي في القضاء على البشرية؟

وهل تنجح الآلة في السيطرة على صانعها؟

 

إن العالم اليوم على أعتاب مرحلة لم يسبق للبشرية اكتشافها، بل لم يخطر على بال إنسان في يوم من الأيام، أن تصل البشرية إلى ماوصلت إليه اليوم من تقنيات حديثة.

صحيح أن المشوار في هذا المضمار طويل، ولانزال في بداياته، ومع ذلك فالاختراقات فيه ممكنة، والمفاجآت فيه متوقعة، ولن تتراجع البشرية عنه، ولكن كما قال الشاعر:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم 

وتأتي على قدر الكرام المكارم.

فكما تخلّفت دول عن ركب الموجة الصناعية، في العقود الماضية، فإن دولاً كثيرة سوف تتخلف عن مواكبة التقدم التقني خلال العقود القادمة.

لقد حلت الآلات الصناعية كالسيارة والقطار بدلاً عن الحيوانات، وفقد بسبب تلك الآلات كثير من الناس مواقعهم الاقتصادية والاجتماعية، ولكن ألم تكن تلك الآلات أفضل لحياة الإنسان ورفاهيته؟

 

رغم أن ما نعرفه عن الذكاءالاصطناعي، لحد الآن، ليس سوى ١ من ألف، وربما أقل من ذلك، مما لدى شركات التقنية وحكومات العالم، لاسيما الشركات المرتبطة بوزارات الدفاع والاستخبارات والأمن الوطني في أغلب دول العالم، وبخاصة الدول العظمى.

ورغم ذلك فإن الكثير من المنتجات، والعديد من الإنجازات، الإلكترونية، بدأت تؤتي ثمارها، وفي أغلب المجالات العلمية، صناعية واقتصادية واجتماعية.

 

صحيح أن كثير من الحرف اليدوية والأعمال المهنية بدأت تختفي، وسوف تختفي غيرها الكثير خلال الأعوام القادمة بفضل تقنية الذكاء الاصطناعي، كالرسم والتصميم والمونتاج، وحتى الكتابة، والقائمة تطول، وسوف تكون أطول في العقد القادم. 

ولكن ألم يفقد الكثير من المزارعين وعمال الحفر أعمالهم بسبب تلك الآلات!؟

فهل بذلك تضررت البشرية أم أنها أصبحت أكثر رفاهية؟

 

إن التحذيرات الجوفاء من الذكاء الاصطناعي، وأنه سوف يقضي على البشرية، ليست سوى هرطقات وخرافات، وهي لا تدل إلا على الجهل بهذه التقنية، والانسان عدو ماجهل.

والمحذرون من أضرار الذكاء الاصطناعي، هم أنفسهم ممن كانوا يحذرون من الجوال!!.

 

إن إيقاف الذكاء الاصطناعي، أمر مستبعد، بل أراه مستحيلاً، ولايمكن بأي حالٍ من الأحوال للبشرية أن تتراجع عنه أو تتنازل، نظراً لما يمثله من أهمية علمية، وقيمة إنسانية، ونظراً لفوائده التي لا تُعد ولا تُحصى. وهو بلا شك يمهّد لنقلة بشرية قادمة، أعظم منه شأناً وأكثر منه فائدة، رغم مافيه من سلبيات، ورغم ما قد يسبب من مشاكل وهموم للإنسانية، ورغم ما قد يسلب من وظائف، ويلغي من حرف، ويقضي على مهارات بشرية، وما سوف يحدثه من تغييرات جوهرية في طبيعة ونمط الحياة الاجتماعية، رغم كل ذلك سوف يكون الذكاء الاصطناعي علامة فارقة من علامات تطور البشرية.

 

إن مايخشاه العالَم ليس الآلة، إنما الإنسان الذي يختبئ خلف تلك الآلة، مهندساً أو مبرمجاً أو مصمماً لها.

ويتضح ذلك جلياً من إجابات تلك المحركات الصناعية والبرامج الإلكترونية، وربما لاحظت أخي القارئ الكريم، عند طرحك سؤلاً على محركات الذكاء الاصطناعي، خاصة فيما يتعلق بالعقيدة والمبادئ الإنسانية، فإن الإجابات تأتي وفق النظرة الغربية لتلك القضايا!!. وهذا يعني أن تلك البرامج ليست سوى نسخ آلية من القائمين عليها.

فلو سألتَ (التشات جي بي) أو محركات الذكاء الاصطناعي عن الإجهاض مثلا أو مجتمع الميم، أو المثلية، فلن تجد إجابات منطقية، مبنية على الذكاء، بل سوف تجد أجوبة تتماشى مع ماتنادي به الحكومات الغربية من انحراف عن الإنسانية. 

 

مع أن المجتمع الغربي منقسم على نفسه فيما يخص المثلية والإجهاض، وحتى المخلوقات الفضائية، إلا أن محركات الذكاء الاصطناعي، تتنحاز لوجهة نظر الحكومات الغربية في تلك المسائل. 

وهنا تكمن خطورة الذكاء الاصطناعي على الإنسانية التي سوف تتلاشى عندما يتمكن الذكاء الاصطناعي من التغلغل في المجتمع من خلال البرامج الإلكترونية والاجهزة، بل ومن خلال وصوله لكل جوانب الحياة، خاصة التعليم. 

كما أن التزوير وقلب الحقائق والتلاعب بالصور وتغيرها، وخلق مشاهد تخيلية تحاكي الواقع، بواسطة محركات الذكاء الاصطناعية، لا يقل ضرراً على المجتمعات من نشر الإلحاد والمثلية الجنسية، نظراً لما يترتب على ذلك من هدم القيم الإنسانية، وتفتيت الروابط الاجتماعية.

 

إن الذكاء الاصطناعي لحد الآن بالنسبة لمجتمعنا والمجتمعات العربية يشبه التلفزيون في السبعينات والثمانينات الميلادية، لم يكن مهما لدى الكثير، ثم أصبح من أهم الأشياء، وكذلك يمكن تشبيه الذكاء الاصطناعي بثورة الجوال، كيف كان في مطلع الألفين، وكيف أصبحت علاقتنا به الآن. 

 

وخلال السنوات القليلة القادمة سوف يكون الذكاء الاصطناعي حاضراً، في كل جانب من جوانب حياتنا، وسوف نعتمد عليه كاعتمادنا على الكهرباء وشبكة الاتصالات والجوالات وغيرها من المنتجات البشرية التي حُرم منها أسلافُنا.

 

إن المكاسب الاقتصادية، والمنافع الأمنية والصحية، والتعليمية التي تحققت للبشرية بسبب النت، سوف يأتي الذكاء الاصطناعي بأضعافها وخلال مدة زمنية قصيرة مقارنة بما تحقق من الثورة الصناعية الأولى والثانية. 

ورغم السلبيات التي انتشرت في المجتمعات بسبب النت، إلا أنه جلب إيجابيات. 

وفي حقيقة الأمر أن النت والشبكة العنكبوتية العالمية، ليست هي من تسبب في نشر الإشاعات، والانحلال الأخلاقي في بعض المجتمعات، وإنما الشركات والجمعات الذين يقفون خلفها. 

 

لقد حرصت كل المجتمعات وعلى مر العصور على نقل ثقافتها وبعض عاداتها من خلال منتجاتها الفكرية والمادية، وكان الغرب ولايزال أكثر حرصاً على الدعوة إلى ثقافته من خلال منتجاته.

وليست مواقع التواصل الإجتماعي التي تتحكم بها الشركات الغربية، والتي تنشر الرذيلة وتدعو وتشجع على الانحراف، 

سوى أدلة على حرص تلك الشركات على نشر مايجلب لها المكسب المادي، بغض النظر عن المبادئ والقيم لدى المجتمعات، ولن يكون الذكاء الاصطناعي استثناءً، في نشر الثقافة الغربية، ولكن مما يبعث في النفس الاطمئنان أن المملكة العربية السعودية، لها موطئ قدم في هذا الحراك العلمي العالمي، ليس فقط في الحصول على هذه التقنيات وتوظيفها فيما يخدم شعبها والعالم، بل في كونها واحدة من الدول المشاركة في تصنيع وتنظيم هذه التقنيات.

ونظراً لما يتمتع به أبناء شعبها من قيم إنسانية ومبادئ، فإن هذا سوف ينعكس على المنتجات التقنية والبرامج الإلكترونية التي سوف يقدمونها للبشرية.

 ومن هنا فإن المملكة العربية السعودية، لن تحافظ على البشرية من الإنقراض، مع أن الذكاء الاصطناعي لن يتسبب في انقراض البشرية، وإنما سوف تحافظ بإذن الله تعالى على القيم الإنسانية التي أوشكت على الإنقراض لدى المجتمعات الغربية.

 

إن من الركائز الأساسية التي تقوم عليها حياة البشرية، والعلوم الإنسانية، الأخلاق. 

ونظراً لأن المجتمعات الغربية، رغم تقدمها العلمي والتقني إلا أنها متخلفة ومتراجعة أخلاقياً، وليست المثلية الجنسية سوى علامة من علامات الخروج من الإنسانية، ناهيك عن غيرها من القوانين والتنظيمات الاجتماعية التي تفتقد لأبسط مبادئ الإنسانية.

قال الشاعر المصري، أحمد شوقي:

الصدق أرفع ما اهتزّ الرجال له

وخير ما عوّد ابناً في الحياةِ أبُ

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت

فإن همو ذهبتْ أخلاقهم ذهبوا.