
تقارير أقلام الخبر - ملهي شراحيلي
يوم العَلَم السعودي، هو يوم خاص بالعَلم، تحتفي فيه المملكة العربية السعودية في 11 مارس من كل عام بعَلَمِها، انطلاقًا من قيمة العَلم الوطني الممتدة عبر تاريخ الدولة السعودية منذ تأسيسها عام 1139هـ/1727م.
أُقر بموجب أمرٌ ملكي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، حفظه الله، في 9 شعبان 1444هـ/1 مارس 2023م.
وكان المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، طيب الله ثراه، قد أقرَّ علم السعودية بشكله الذي نراه عليه اليوم، في 27 ذي الحجة 1355هـ/11 مارس 1937م.
في عام 1344هـ/1926م، أمر الملك عبدالعزيز بتشكيل هيئة تأسيسية، وأوكل إليها ضمن مهامها وضع شكل العلم. وفي عام 1355هـ/1937م، صدرت موافقة الملك عبدالعزيز على قرار مجلس الشورى بشكله الحالي وكذلك المتعلّق بنظام العلم السعودي وقياساته على نسبة (150 سم طولاً) و(100 سم عرضاً).
وفي عام 1356هـ/1937م، صدر قرار مجلس الشورى بتخصيص علم جلالة الملك، وعلم ولي العهد، وعلم الجيش والطيران الداخلي، والعلم الداخلي، والعلم البحري السعودي الملكي، والعلم البحري التجاري. وفي عام 1371هـ/1952م، صدر قرار مجلس الشورى بشأن مقاسات الأعلام وتعديلاتها بناءً على ما ورد من وزارة الخارجية.
تاريخ العلم السعودي:
تواصل الاهتمام بالعَلم السعودي في عهود الملوك أبناء الملك عبدالعزيز، وصدر نظام العَلم السعودي في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز، في 1393هـ/1973م، بمواصفات عَلم المملكة، كما تضمن استحداث علم خاص بالملك يُضاف شعار النخلة الذهبي على يمين العلم. وفي 1398هـ/1978م، صدرت اللائحة التنظيمية لنظام العَلم .
وفي 1407هـ/1986م، صدر قرار وزير الداخلية بشأن المواصفات القياسية المعتمدة من الهيئة العربية السعودية للمواصفات والمقاييس للعّلم الوطني. وفي عام 1412هـ/1992م، نصَّ النظام الأساسي للحكم على أن يكون العَلم السعودي لونه أخضر، وعرضه ثلثا طوله، تتوسطه كلمة (لا إله إلا الله) وتحتها سيف مسلول، ولا يُنكّس أبداً.
يمثل العلم الوطني رمزًا مهمًّا للسيادة، وتعريفًا بالدولة من خلال هوية بصرية تعكس جوانبها الحضارية والإنسانية والتاريخية وغير ذلك من الدلالات التي يتم توظيفها فيه، مما يجعله أيضاً انعكاساً للهوية الوطنية للشعب وتاريخه وإرثه، وانتمائه للأرض والوطن.
معنى العلم :
عُرف العَلَم عبر التاريخ بكثير من المترادفات التي تشير إلى قيمته ودلالاته في حالتي السلام والحرب، ومن ذلك: الراية، واللواء، والبند، والبيرق، والدرفس، والعُقاب، والنُصب. وكلها يُقصد بها: قطعة من القماش تُعقد على قائم، وتُرفع ليُهتدى بها وتصبح شعارًا دالًا على ما وُضع له، وتُرفع في السلم كما الحرب، وهي رمز وإشارة لمعنى خاص، ومن ذلك القيمة الرمزية التي يحملها الجند في طليعة الجيش، وفي الاستعراضات، وتكتسب بمرور الوقت دلالة عامة، بحيث من رآها يعرف المراد وإن لم يكن متعلمًا.
للعَلم معانيه اللغوية التي تأتي من أصل مادة (عَلَم) التي تدل على أثرٌ بالشيء يتميز به عن غيره، ومن ذلك العلامة، وهي معروفة، يُقال: علمت على الشيء علامة، ويُقال: أعلم الفارس، إذا كانت له علامة في الحرب، وخرج فلان معلماً بكذا.
والعَلم: الراية، والجمع أعلام، والعلم: الجبل، وكل شيء يكون معلمًا: خلاف المجهل، وجمع العلم أعلام، والعقاب: العلم الضخم تشبيها بالعقاب الطائر.
وتتعدد تعريفات العَلَم بتعدد المترادفات ولكنها تحمل ذات الدلالة والرمزية، ومن ذلك تعريفه بأنه رسم الثوب ورقمه في أطرافه. والعَلَم: الراية التي يجتمع إليها الجند، وقيل هو: ما يعقد على الرمح، وإياه عنى أبو صخر الهذلي، مشبعًا الفتحة حتى حدثت بعدها ألف في قوله: "يُشج بها عرض الفلاة تعسفاً
وأما إذا يخفى من أرض علامها".
وعَلَم من الجبل: أعلى موضع فيه، أو أعلى ما يلحقه بصرك منه. ومنه قول الخنساء:
وإن صخراً لتأتمُّ الهداة به
كأنه عَلَمٌ في رأسه نار
كذلك تتعدد دلالات كلمة العَلَم بحسب الاستخدام، فالعلم: علم الجيش. والعلم: علم الثوب، وفي مترادفاته تشير كلمة الدرفس إلى العلم الكبير، فيما تحمل (البند) ذات المعنى والدلالة. وهي مترادفات استخدمت عبر حقب تاريخية مختلفة، اختلفت في جذور الكلمات لكنها كانت بذات المعنى والمقصد، وبعضها عربية الأصل، مثل: العلم، والراية، واللواء. وبعضها ألفاظ معربة استعملها العرب، مثل: البيرق، والدرفس، والنصب، والبند، والعقاب.
في السياق الاصطلاحي ورد العديد من التعريفات، وحملت أيضاً قواسم مشتركة في المعنى اللغوي للعلم، ومن ذلك تعريف العلامة القلقشندي للأعلام بأنها: الرايات التي تُحمل خلف السلطان عند ركوبه.
والراية: العَلَم الصغير، واللواء: العَلَم الكبير.
وقال الزبيدي العَلَم: رسم الثوب ورقمه في أطرافه، والعلم: الراية التي يجتمع إليها الجند، وكلها يُقصد بها: قطعة من القماش تُعقد على رمح، أو قائم ليُهتدى بها، وتصبح شعاراً دالّاً على ما وُضع له، وتُرفع في السلم وفي الحرب، وهي رمز وإشارة لمعنى خاص، لكنها في الحقيقة والدلالة رمز شرف الأمة وأمجاد تاريخها. ويُعرف كذلك بأنه علامة لشيء معين تفرد به عما سواه، ويُقصد به كل ما هو معلوم، أي أن العلم يشمل كل ما هو بارز معلوم.
لقد اكتسب العلم الوطني السعودي (الراية) رمزية خاصة منذ عهد المؤسس الأول الإمام محمد بن سعود (1139ـ 1179هـ/1727- 1765م)، واستمر وتطور في عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن (1319 - 1373هـ/ 1902 - 1953م).
ويجسّد العلم الوطني مفهوم الدولة، ويعبر عن الوحدة الوطنية والعمق التاريخي لها، فقد تأصلت جذورها منذ عهد الدولة السعودية الأولى التي تأسست على يد الإمام محمد بن سعود عام 1139هـ/1727م، وعندما تسلم مقاليد الحكم في الدرعية رفعت أول راية في التاريخ السعودي.
ومنذ ذلك التاريخ ظل العلم السعودي يجسد رمزية الدولة في السلام والتزام عقيدة التوحيد، وهو تجسيد لمفهوم الدولة، ويعبر عن الوحدة الوطنية والعمق التاريخي للمملكة العربية السعودية. ويُعد العلم في المملكة رمزًا للدولة والوطن، حيث يُعبّر عن الشموخ والعزة والمكانة والكرامة، والمبادئ التي تقوم عليها البلاد.
رمزية العلم الوطني السعودي تعبّر عن كثير من المعاني الوطنية، حيث يُعد رمزًا لسيادة الوطن وعزته وكرامته، ورمزًا لولاء الشعب لقيادته ووطنه، كما أنه يعبر عن هوية الدولة وتاريخها، ويسمّى رسميّاً بـ"العلم الوطني". وقد حظي علم المملكة العربية السعودية باحترام وتقدير المواطنين والمقيمين على أرضها، لما يحمله من معاني الانتماء والمواطنة، إلى جانب أنه يحمل جميع معاني الوحدة، والعزة، والإنجاز، والقوة، والفخر، والسلام، كما يحظى باحترام العالم الإسلامي، لما يحمله من دلالات دينية وما يرمز إليه من دولة كريمة مهتمة بشؤون العالم الإسلامي، وقائمة على شؤون الحرمين الشريفين، فضلاً عن الاحترام العالمي لها، نظراً لمواقف الدولة التي ترمز لها هذه الراية، والقائمة على الجانب الإنساني، والعدل، والاحترام المتبادل.
تمتد رمزية العلم السعودي للمملكة العربية السعودية ليجسد مفهوم الدولة، ويعبّر عن الوحدة الوطنية والعمق التاريخي لها، كما يعبّر عن الشموخ والعِزّة والمكانة والكرامة، والمبادئ التي تقوم عليها البلاد. وقد جاء اختيار اللون الأخضر للعلم السعودي رمزاً للخُضرة والنماء، وتعبيراً عن الخيرات التي تجود بها أرض المملكة العربية السعودية، فيما تعبّر كلمة الشهادة عن وحدانية الله والتأكيد على أن النبي محمدا (صلى الله عليه وسلم) رسول الله وخاتم النبيين، أما السيف فيشير إلى العدل والدفاع عن الدين والوطن.
تم تناول رمزية العلم في كثير من الأدبيات، خاصة في القصائد الحماسية التي تُغنّى في لحظات الاحتفال والمناسبات الوطنية. وقد حضر العَلَم بشكل مباشر، كما في قصيدة سعيد فياض الشهيرة "بلادي منار الهدى"، حيث يقول: "باسم المهيمن حامي العَلَم"، مؤكداً أن الله سبحانه وتعالى هو من سيحفظ هذا العَلَم شامخاً مرفرفاً، وذلك لوجود عبارة التوحيد مسطَّرة على وجه العَلَم.
ورد العَلَم كذلك بشكل مضمر في الشعر، كما في قصيدة الأمير بدر بن عبدالمحسن، "فوق هام السحب"، حيث يخاطب الراية في لحظة شاعرية، لحظة صباح باكر في وسط ميدان مليء بالجنود، يتقدَّم جندي السارية ليرفع العَلَم على السارية الرفيعة، يراقبها البدر ترتقي وترتقي حتى تصل قمة السارية، ثم تستقر، كما يطلب المزيد، حين يودُّ للراية أن تستمر في الارتقاء حتى تعلو السحاب وتتخطاه، فيصدح بهذه القصيدة الرائعة مخاطباً الوطن كله، مصوراً كفاح الآباء والأجداد، الذين تكاتفوا واتحدوا تحت هذه الراية، حتى جعلوا هذا البلد "ما مثله بها الدنيا بلد".
خصائص العلم الوطني السعودي:
تجتمع في العلم الوطني السعودي كثير من الخصائص التي تجعله متميزاً عن رايات وأعلام الدول الأخرى، ومما يُعرف عنه أنه على امتداد تاريخ أحداث الدولة السعودية لم يتعرض هذا العلم يوماً إلى الحرق أو التدمير، وعلى عكس الأعراف الدولية لتنكيس الأعلام في الأحداث المأساوية أو وفيات الملوك، لا يجوز تنكيس الأعلام السعودية تحت أي ظرف.
يتميّز العلم الوطني السعودي بالعديد من العلامات والمميّزات التي تجعله يختلف عن غيره من الأعلام الوطنية في كل أنحاء العالم، ومن ذلك:
لا يُنكّس في المناسبات بخلاف غيره.
لونه الأخضر وعمق دلالاته.
إعلاء شعار التوحيد.
إثبات رمز السيفين.
إبراز النخلة في الشعار.
أضافت تلك المميّزات الكثير لرمزية ودلالة العلم السعودي وهوية الدولة والشعب، إذ إنه يتميز أيضاً بين أعلام دول العالم بعدد من الخصائص، ومن ذلك أنه لا يُلف على جثث الموتى من الملوك والقادة، ولا يُنكّس في المناسبات الحزينة، ولا يُحنى لكبار الضيوف عند استعراض حرس الشرف، وعند الاضطرار لذلك في حالات الحداد، فإن العلم يُرفع منكساً بوضعه في منتصف العمود، وهو خالٍ من كلمة التوحيد في المدة المحددة لهذا الغرض، ويحظر استعماله كعلامة تجارية أو لأغراض دعائية تمس مهابته.
تطور العلم الوطني السعودي :
شهد العلم الوطني السعودي على امتداد تاريخ الدولة السعودية عدداً من المتغيرات في تصميمه وصناعته، فيما احتفظ بدلالاته الوطنية التي تميّز الدولة السعودية عبر مختلف العهود منذ منتصف القرن الثامن عشر وحتى اليوم المعاصر.
المراحل التاريخية :
عُرف العَلَم في بدايته باسم الراية، وقد كانت راية الدولة السعودية الأولى منذ عهد الإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن خضراء مشغولة من الخز والإبريسم، وقد كُتب عليها عبارة "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، واتخذها الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الثانية راية للدولة وهو يُعيد توحيد أرجاء الوطن.
اتخذ الملك عبدالعزيز أول ما شرع يُعيد توحيد أرجاء البلاد، راية بيضاء مما يلي السارية، وكان لونها أخضر، وكانت مربعة تتوسطها عبارة "لا إله إلا الله محمد رسول الله" ويعلوها سيفان عموديان متقاطعان، ثم تغير شكلها بعد ذلك فضمت سيفاً واحداً أفقياً فوق كلمة الشهادة، ثم تغيرت إلى الشهادة وتحتها سيف كتب تحته "نصر من الله وفتح قريب"، إلى أن أصبحت خضراء تتوسطها عبارة الشهادة.
عبر تاريخ الدولة السعودية شهد العلم الوطني عدداً من مراحل التطور في التصميم والصناعة والأنظمة واللوائح التنظيمية والتنفيذية، بحسب الآتي:
في عام 1139هـ/1727م كانت الراية الخضراء وجانبها أبيض وتتوسطها عبارة "لا إله إلا الله محمد رسول الله".
في عام 1240هـ/1824م استمرت الدولة السعودية الثانية في اتخاذ الراية نفسها.
في عام 1319هـ/1902م أُضيف سيفان متقاطعان إلى العلم، وتمت إضافة سيف أعلى العلم فوق شهادة التوحيد.
في عام 1344هـ/1926م أمر الملك عبدالعزيز الهيئة التأسيسية بصياغة شكل علم جديد.
في عام 1355هـ/1937م صدر قرار مجلس الشورى رقم (354) المتضمن إقرار العلم على نسبة 150 سم طولاً و100 سم عرضاً.
في عام 1355هـ/1937م اعتمد الملك عبدالعزيز قرار مجلس الشورى رقم (50) بشأن العلم السعودي، حيث شمل تخصيص علم الملِك وعلم ولي العهد وعلم الجيش والطيران والعلم الداخلي والعلم البحري السعودي الملكي والعلم البحري التجاري.
في عام 1371هـ/1952م تم اعتماد جميع الأشكال والقياسات للعلم الوطني.
في عام 1393هـ/1973م صدر نظام العلم الوطني.
في عام 1398هـ/1978م صدرت اللائحة التنظيمية لنظام العلم الوطني.
في عام 1403هـ/1982م صدرت اللائحة التنفيذية لنظام العلم السعودي.
في عام 1404هـ/1984م اعتماد الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة لمقاسات العلم الوطني.
في عام 1444هـ/2023م صدور الأمر الملكي باعتماد 11 مارس من كل عام يوماً للعلم الوطني.
أعلام الدولة السعودية :
ظل العلم الوطني السعودي رمزًا لماهية الدولة منذ تأسيسها في عام 1139هـ/ 1727م، وشكّل قيمة خالدة، حيث إنه رمز قوتها وسيادتها ورمز للتلاحم والائتلاف والوحدة الوطنية، وعلى امتداد نحو ثلاثة قرون كان منارة تشع ضياء وراية خفاقة، وشاهدًا على حملات توحيد البلاد التي خاضتها الدولة السعودية.
ظل العلم الوطني السعودي متوارثًا من الدولة السعودية الأولى. وقد جاء في وصف أول راية سعودية رُفعت أنها "خضراء منسوجة من الخزّ والإبريسم، مكتوب عليها كلمة التوحيد، لا إله إلا الله محمد رسول الله، معقودة على سارية بسيطة". كانت الراية خضراء، وكان الجزء الذي يلي السارية جزءًا أبيض، أما شهادة التوحيد فكانت منسوجة على سطرين متتاليين.
في تلك الدولة الأولى كان الإمام المؤسس محمد بن سعود هو من يعقد الراية ويقود الجيوش بنفسه، أو يكتفي في بعض الأحيان بعقد الراية ويوكّل أحد أبنائه بتسيير الجيش وقيادته. واستمر الأمر بالطريقة نفسها مع ثاني الأئمة عبدالعزيز بن محمد، بنفس الكيفية تمامًا التي كان يتم بها الأمر في وقت أبيه، فهو يعقد الراية بنفسه أو يوكّل بذلك ابنه سعود، الذي أصبح فيما بعد ثالث الأئمة.
تعددت مهام الراية وبرزت أهميتها في تعزيز مكانة الدولة، حيث كان المؤسس وأبناؤه يرسلون رسلهم إلى عموم قبائل الجزيرة، ويضربون لهم موعدًا في يوم معلوم ومكان معلوم، قريبًا من الماء في غالب الأحيان، ثم ينصبون الراية على جانب هذا الماء فتكون علامة بينة للجميع، يُستدل بها كما يستدل البحارة بالفنار. وهكذا تتوافد عليهم وفود القبائل لتبايع ولتنضم لجيش التوحيد. وكانت الراية علامة فارقة بين الفوضى والدولة، وكان الانضمام إليها يعني الانضمام إلى الأمة، وترك الفرقة والتشرذم.
تلك الراية السعودية يصفها الرحالة الإسباني دومينجو باديا ليبيلخ في مذكراته، حيث يقول إنه حين وصل إلى مكة المكرمة في عام 1221هــ/1807م، أُتيحت له رؤية دخول جيش الإمام سعود بن عبدالعزيز إليها وهم في ثياب الإحرام، وكان عددهم 45 ألفًا، وشاهد الجيش يزحف إلى مكة ليؤدي المناسك يتقدمه عَلَم أخضر، طُرزت عليه بحروف كبيرة بيضاء عبارة "لا إله إلا الله محمد رسول الله".
ذات المشاهدة ذكرها جون لودفيغ بوركهارت (1784-1817م)، في وصفه لجيش الإمام سعود بن عبدالعزيز، حيث دوّن في ملاحظاته أن لدى كل شيخ أو أمير من أمراء الإمام سعود راية خاصة، وأن سعودًا يمتلك عددًا من الرايات المختلفة.
تلك الرايات السعودية اختص بها نفر من أبناء الوطن الذين حملوها ابتداء من الدولة السعودية الأولى، حيث حملها إبراهيم بن طوق، فيما كان من أبرز حامليها في الدولة السعودية الثانية عبدالله أبو نهية، والحميدي بن سلمة، وصالح بن هديان، وإبراهيم الظفيري.
في الدولة السعودية الثالثة برز البيرق الذي حمله عبداللطيف بن حسين المعشوق، الذي شهد كل معارك التوحيد، فلم يتخلف عن معركة واحدة حتى كانت معركة البكيرية فاستشهد فيها، وقد كُلِّف ابنه منصور بحمل الراية في المعركة نفسها، فحملها ببسالة كما فعل والده، ولم يلبث أن استشهد في المعركة نفسها مدافعًا عن البيرق حتى الرمق الأخير. ودُفن الاثنان معًا في أرض البكيرية.
عقب ذلك نال الشرف نفر آخرون، إذ انتقلت الراية إلى أسرة آل مطرف، فحملها الجد عبدالرحمن، ثم ابنه منصور، ثم حفيده مطرف. وهناك عشرات الأبطال الأفذاذ الذين حملوا الرايات متقدِّمين كتائب التوحيد. فلكل جيش من الجيوش عَلَم يحمله شخص من بينهم، وهو العَلَم الوطني نفسه الذي يحمله الحاكم من آل سعود، الذي ينطلق من عاصمة الدولة.
استمر حمل العلم باعتباره شرفًا غاليًا يعكس أمانة قيادة وشعب لمن يحمله، وفي الدولة السعودية الثانية أدت الراية دورها المنوط بها كما في الدولة السعودية الأولى. ومن بين ركام الدرعية، ومن تحت رماد نخيل الطريف وحطام البجيري، انتُشِلت الراية مرة أخرى، ولُويت على سارية رفيعة لتنتصب عاليًا، ولتتوافد الحواضر والبوادي كرّة أخرى مبايعة الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود، الجد الخامس لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز.
رمزية الراية الخضراء في جمعها لأبناء الشعب وتوحيدهم خلف قيادتهم، لذلك اجتمع السعوديون كما اجتمع آباؤهم من قبلهم مبايعين أئمتهم تحت الراية نفسها، فكان أن قامت الدولة مرة أخرى. وكان الإمام تركي بن عبدالله إذا أراد الغزو يكتب إلى أمراء البلدان ورؤساء القبائل يحدد لهم الخروج في يوم معيَّن وموقع معلوم، ثم يُخرج آلاته الحربية ومعدات الجيش وأعلاف الخيول قبل مسيره بخمسة عشر يومًا، ثم يخرج الراية فتُنصب قريبًا من باب القصر قبل خروجه بيوم أو يومين أو ثلاثة، وعندما تجتمع الجيوش يأمر الإمام بحمل الراية وجعلها متقدِّمة أمام الصفوف.
شاهد تلك الراية التي ارتفعت لأكثر من ثمانين عامًا للدولة السعودية الثانية، القبطان الإنجليزي آي آر بيرس، الذي وصف من على ظهر سفينة "بيرسيوس" التابعة للبحرية البريطانية استعدادات الشيخ مبارك الصباح والإمام عبدالرحمن الفيصل لمعركة الصريف عام 1318هــ/1901م، بقوله: "كان مشهدًا رائعًا وفريدًا، وأظن أنه كان يوجد ما لا يقل عن عشرة آلاف رجل، ومن بينهم قوات آل سعود التي كانت تحمل راية خضراء اللون، وقد كُتب عليها: لا إله إلا الله محمد رسول الله".
لم يختلف المضمون الرمزي للعلم الوطني (الراية) كثيرًا في الدولة السعودية الثالثة، حيث برزت تغييرات طفيفة في شكل الراية خلال بواكير توحيد المملكة، فأصبح الجزء الأخضر مربعًا بعدما كان مستطيلًا، وكان مخيطًا بجزء أبيض هو الذي يلي العَلَم. كما توسطتها عبارة التوحيد نفسها مكتوبة على سطرين متتاليين، يعلوهما سيفان متقاطعان، مثَّلا الإضافة الأولى على الراية.
تحت لواء هذه الراية خاض الملك عبدالعزيز عددًا من المعارك قبل أن يتم تعديل آخر تمثَّل في إلغاء السيفين المتقاطعين، والاستعاضة عنهما بسيف واحد في الأعلى. وتحت الراية بهيئتها الجديدة، خاض السعوديون عدة معارك حاسمة، ثم حدث بعد ذلك تعديل جديد، حيث جُعل السيف في الأسفل عوضًا عن الأعلى، وكُتبت تحته جملة جديدة، وهي "نصر من الله وفتح قريب". واستمرت الراية بهذه الهيئة حتى تاريخ ضم الحجاز عام 1344هــ/1926م.
العلم السعودي المعاصر
حدث تغيير طفيف آخر في العلم الوطني السعودي عقب ضم الحجاز، حيث عادت الراية مستطيلة كما كانت، تتوسطها عبارة التوحيد مكتوبة باللون الأبيض خالية من السيوف والعبارات الأخرى. ثم بعد ذلك تطوَّر العَلَم التطور الأخير مكتسبًا شكله الحالي، حيث أصبح عرضه يساوي ثلثي طوله بلون أخضر كامل يمتد من السارية، وتتوسطه الشهادتان وتحتهما سيف مسلول يتجه من اليمين إلى اليسار ومقبضه إلى الأسفل.
جاء العلم الوطني السعودي المعاصر عقب عدد من التطورات، وقد نص نظام العلم الذي صدر عام 1393هـ/ 1973م على أن يكون علم المملكة العربية السعودية مستطيل الشكل، عرضه يساوي ثلثي طوله، ولونه أخضر، يمتد من السارية إلى نهاية العلم، وتتوسطه كلمة "لا إله إلا الله محمد رسول الله" وتحتها سيف مسلول مواز لها، تتجه قبضته إلى القسم الأدنى من العلم، وترسم الشهادتان والسيف باللون الأبيض، وبصورة واضحة من الجانبين، على أن تكتب الشهادتان بخط الثلث، وتكون قاعدته في منتصف مسافة عرض الشهادتين والسيف بطول يساوي ثلاثة أرباع رسم الشهادتين وعلى مسافة متساوية من الجانبين.
دلالات التفاصيل فيما يتعلق باللون والكلمات عميقة، حيث يرمز اللون الأخضر إلى النماء والخصب، واللون الأبيض يرمز إلى السلام والنقاء، ويرمز السيف إلى العدل والأمن، وهذه الرمزية للسيف لها جذور عربية، حيث يعد السيف صنوًا للنبل والمروءة عند العرب. أما كلمة التوحيد ففيها إثبات الوحدانية لله وتطبيق شرعه الحكيم، وعلى المنهج السليم الذي تأسست وسارت عليه بلادنا في أطوارها الثلاثة.
وصل العلم الوطني السعودي إلى شكله الحالي بذات المواصفات التي وردت في نظام العلم، فهو مستطيل عرضه يساوي ثلثي طوله، ولونه أخضر يمتد من السارية إلى نهاية العلم، تتوسطه الشهادة "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وسيف مسلول تحتهما ومواز لهما، قبضته إلى اليمين، ورُسمت الشهادة والسيف باللون الأبيض وسط مساحته.
تحية العلم
كتب الشاعر إبراهيم خفاجي شعر النشيد الوطني السعودي الذي استغرق منه ستة أشهر، وابتدأه في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز، وأُعطِي للموسيقار السعودي البارز المرحوم سراج عمر الذي كُلِّف بتكييف الشعر وتطويعه من أجل إنشاده بموسيقى السلام الملكي، فأخذ سراج عمر يعدّل في الشعر ليناسب الموسيقى، حتى انتهى من المهمة الصعبة، وقدّم النص الشعري النهائي إلى وزير الإعلام السعودي آنذاك الأستاذ علي الشاعر.
بعد الانتهاء من النص واللحن قدم الوزير الشاعر النشيد بصيغته الشعريّة والموسيقيّة المقترَحة إلى الملك فهد بن عبدالعزيز، فسمعه وأُعجِب به وأجازه، وبذلك وُزِّعَت نُسَخ النشيد على المؤسسات الرسميّة والسفارات السعوديّة في الخارج. وحاز خفاجي من الملك شهادة البراءة والوسام الملكي الخاص. واعتُمِد النشيد الوطني رسميًّا يوم عيد الفطر المبارك عام 1404هـ/1984م، وفي ذلك اليوم سمعه المواطنون السعوديّون، وسمعه العالم من الإذاعة والتلفزيون الرسميّين السعوديّين.
تحية العلم :
سارعي للمجد والعلياء
مجدي لخالق السماء
وارفعي الخفاق أخضر
يحمل النور المسطر
رددي الله أكبر يا موطني
موطني عشت فخر المسلمين
عاش الملك .. للعلم والوطن.
(0) التعليقات
لا توجد تعليقات