المقالات

يوم التأسيس . . . يوم بدينا

يوم التأسيس . . . يوم بدينا

✍️ ملهي شراحيلي

لم تكن البداية قريبة، بل تتجذر لزمنِ ما قبل الإسلام، حيث قَدِم بنو حنيفة إلى اليمامة في مطلع القرن الخامس الميلادي، واستقروا في وسط الجزيرة العربية ليأسسوا اليمامة التي تمركزت في منطقة العارض في نجد، على ضفاف وادي حنيفة، لتصبح بعد ذلك جزءً من الدولة النبوية عند ظهور الإسلام.

وبعد انتهاء الخلافة الراشدة، تزعزع الاستقرار في الجزيرة العربية، وساد فيها الإهمال وعدم الاستقرار والضعف وهُجرت المنطقة وأصبحت في طي النسيان.

حتى عاد الأمير مانع بن ربيعة المريدي الحنفي، ليكمل مسيرة عشيرته "بني حنيفة"، وذلك في منتصف القرن التاسع الهجري، وتحديداً في عام 850م/1446م، حيث تمكّن الأمير من العودة إلى وسط الجزيرة العربية حيث كان أسلافه، وكان قدومه اللبنة الأولى في مراحل تأسيس الدولة السعودية الأولى التي ستبرز لاحقاً، عندما أسس مدينة الدرعية الثانية -والتي تكونت من غصيبة والمليبيد-، لتكون المدينة القابلة للتوسع وتحقيق الأمن والاستقرار، وهي مختلفة عن الدرعية التي كانوا يستقرون على أرضها بالقرب من القطيف شرق الجزيرة العربية.

 

وبعد أكثر من 280 عاماً تعاقب فيها أبناء مانع المريدي وأحفاده على إمارة الدرعية، تهيأت المنطقة لمرحلة جديدة وذلك عندما تولى الإمام محمد بن سعود الحكم في منتصف عام 1139هـ (فبراير 1727م) حيث نقل الدرعية من الضعف والانقسام، إلى توحيدها واستقلالها السياسي، ليؤسس الدولة السعودية الأولى، وعاصمتها الدرعية.

عندما تولى الإمام محمد بن سعود، الحُكم، عمل على تأسيس الوحدة فيها وتأمين الاستقرار والأمن داخلها وفي محيطها من البلدات والقبائل وحماية طرق الحج والتجارة. ونظّم الأوضاع الاقتصادية للدولة، وتوسّع في بناء وتنظيم أسوار الدرعية. وانطلقت بعدها الدولة بتوحيد المناطق في وسط الجزيرة العربية؛ لتشكل بداية المرحلة الأولى من توحيد الدولة السعودية الأولى الذي اكتمل في عهد أبنائه وأحفاده.

صدر الأمر الملكي الكريم من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، بأن يكون يوم 22 فبراير يوماً للتأسيس وهو اليوم الذي يرمز إلى العمق التاريخي والحضاري والثقافي للمملكة العربية السعودية عندما أسس الإمام محمد بن سعود الدولة السعودية الأولى عام 1139هـ / 1727م.

 

ويومنا هذا الخميس ١٢ شعبان ١٤٤٥هـ 

٢٢ فبراير من عام ٢٠٢٤م، هو يوم التأسيس، يوم بدينا، وهو مناسبة وطنية للاحتفاء بذكرى تاريخ تأسيس الدولة السعودية التي أسسها الإمام محمد بن سعود، قبل ثلاثة قرون؛ حيث أسس كياناً سياسياً يحقق الوحدة والاستقرار والازدهار، وفي هذا اليوم أصبحت الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى.

 

ويعد يوم التأسيس استذكاراً لامتداد الدولة السعودية من ثلاثة قرون، وإبرازاً للعمق التاريخي والحضاري لها، واحتفاءً بالإرث الثقافي المتنوع، ووفاءً لمن أسهم في خدمة الوطن من الأئمة والملوك والمواطنين.

 

أما لماذا ٢٢ فبراير تحديداً ؟!؟

فقد تولى الإمام محمد بن سعود الحكم في الدرعية في النصف الثاني من عام 1139هـ، وتم تحديد 30 جمادى الثاني 1139هـ الموافق ليوم 22 فبراير 1727م ليكون تاريخاً لتأسيس الدولة السعودية الأولى.

والفرق بين يوم التأسيس واليوم الوطني، هو أن يوم التأسيس 22 فبراير 1727م يوم تأسيس الدولة السعودية الأولى (المؤسس الإمام محمد بن سعود)، أما اليوم الوطني 23 سبتمبر1932م فهو يوم إعلان توحيد المملكة العربية السعودية على يد الموحّد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود -طيّب الله ثراه-.

في 27 يناير 2022 أصدر الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، أمراً ملكياً بأن يكون يوم 22 فبراير من كل عام يوماً لذكرى تأسيس الدولة السعودية، باسم يوم التأسيس، ويصبح إجازة رسمية.

 ويوافق هذا اليوم تاريخ 30 جمادى الآخرة من عام 1139هـ، بناءً على ما استنتجه المؤرخون وفقاً للمعطيات التاريخية التي حدثت خلال تلك الفترة وشهدت تولي الإمام محمد بن سعود الحكم في الدرعية والعديد من الإنجازات في عهده.

نصَّ الأمرُ الملكي الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود على تحديد يوم 22 فبراير من كل عام يوماً لذكرى تأسيس الدولة السعودية الأولى، الذي يمثل بدء عهد الإمام محمد بن سعود في منتصف عام 1139هـ الموافق لشهر فبراير من عام 1727م. وأن الاحتفاء به يأتي «اعتزازاً بالجذور الراسخة لهذه الدولة المباركة، وارتباط مواطنيها الوثيق بقادتها منذ عهد الإمام محمد بن سعود قبل ثلاثة قرون، وبداية تأسيسه في منتصف عام 1139هـ (1727م) للدولة السعودية الأولى التي استمرت إلى عام 1233هـ (1818م)، وعاصمتها الدرعية ودستورها القرآن الكريم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما أرسته من الوحدة والأمن في الجزيرة العربية، بعد قرون من التشتت والفرقة وعدم الاستقرار، وصمودها أمام محاولات القضاء عليها، إذ لم يمضِ سوى سبع سنوات على انتهائها حتى تمكن الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود عام 1240هـ (1824م) من استعادتها وتأسيس الدولة السعودية الثانية التي استمرت إلى عام 1309هـ (1891م)، وبعد انتهائها بعشر سنوات، قيّض الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود عام 1319هـ (1902م) ليؤسس الدولة السعودية الثالثة ويوحدها باسم المملكة العربية السعودية، وسار أبناؤه الملوك من بعده على نهجه في تعزيز بناء هذه الدولة ووحدتها».

 

ويحتفل بيوم التأسيس السعودي، لهذا العام ٢٠٢٤م، تحت شعار "يوم بدينا"، ويتكون شعار يوم التأسيس السعودي من الخطوط والرموز، فالرموز في شعار يوم التأسيس السعودي هي العلم السعودي، والنخلة، والصقر، والخيل العربية، والسوق، وهي خمسة عناصر جوهرية تعكس تناغماً تراثياً حيا،ً وأنماطاً مستمرة، هي رموز شعار يوم التأسيس.

 

وإننا إذ نستذكر في هذه المناسبة الغالية على قلوبنا، أمجاد الدولة السعودية الأولى، لنشعر بالعزة والفخر لما تحقق من منجزات لوطننا المعطاء في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين حفظهم الله.

وإذا كان التاريخ يحتفظ لنا في طياته ببطولات وتضحيات المؤسس محمد بن سعود، فهاهو التاريخ يعيد نفسه، وتجود نجد بنجلها البار، محمد بن سلمان، صاحب الرأي السديد والفكر الرشيد، صاحب الرؤية المجيدة التي أعادت لنجد بريقها، وللسعودية سَعدها وعزها، وللعروبة مجدها.

وقد حاولتُ أن أصوغ ذلك شعراً، بمناسبة هذا اليوم المجيد، فقلتُ:

دار الزمان وليس فيه دَوارُ 

والأرضُ تجري والسماء قرار

والفِكرةُ الغراءُ تأتي بعدها

فِكَرٌ يُحيّر فَهمها الأفكارُ

والمُلكُ للمَلِكِ الذي حَكَم النُهى

وقضى بجناتٍ بها أنهارُ

أعطى لِسلمانَ الأريبُ صوابَه 

وهَباهُ ذريةً هُمُ الأخيارُ

واختارَ من بين الجميع محمداً 

غيثٌ برؤتِهِ أتى مدرارُ.