المقالات

إلى روسيا 

إلى روسيا 

✍️ ملهي شراحيلي

تستعد روسيا خلال هذه الأيام للإحتفال بدخول عمليتها العسكرية في أوكرانيا عامها الثالث!!!.

تلك العملية العسكرية التي شنّتها ضد أوكرانيا في 24 فبراير 2022، حيثُ بدأت بحشدٍ عسكري طويل، ثم الاعتراف باستقلال جمهورية دونيتسك الشعبية المعلَنة من جانب واحد، و‌جمهورية لوغانسك الشعبية، أعقب ذلك دخول القوات المسلحة الروسية إلى منطقة دونباس في شرق أوكرانيا.

 ففي 24 فبراير، وبعد خطابٍ أعلن فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عن عملية عسكرية بهدف «تجريد أوكرانيا من السلاح واجتثاث النازية منها»، بدأ القصف على مواقع في جميع أنحاء أوكرانيا، بما في ذلك العاصمة كييف.

 ولا تزال المعارك مستمرة إلى يومنا هذا، وربما لن تتوقف قبل أن تتضح الأمور في أمريكا، بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة أواخر ٢٠٢٤م.

وبما أن الحرب الروسية الأوكرانية، لاتُذكر إلا ويتبادر إلى الذهن، الموقف الأمريكي من تلك الحرب، والتسليح الغربي لأوكرانيا والعقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية ضد روسيا.

لدرجة أنك نادراً ماتسمع خبراً من أوكرانيا أو عنها، ولا تجد أمريكا في ذاك الخبر، بل وصل الارتباط إلى الشعب الأمريكي بصورة أو بأخرى، وأصبح المواطن الأمريكي يرى في تدخل بلاده في هذه الحرب الروسية الأوكرانية كابوساً يؤرقهم، وينغص حياتهم اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وأمنياً.

 

ولايخفى على القارئ الكريم، أن الإعلام الأمريكي بشقيه، الجمهوري والديمقراطي، استطاع الإستفادة من هذه الحرب ووظفها بما تخدم أجندة حزبه الخاصة.

ورغم أن الإعلام دائماً يسبح في فلك السياسية، ويتبع القائد أكثر من ظله، والإعلام الأمريكي ليس استثناء من هذا، إلا أن ولاءهم الحزبي أقوى من ولائهم للقيادة، فقد نجح الجمهورييون في ترجيح الكفة لصالحهم، لاسيما بعد ظهور إثنين من أقوى المؤثرين في الإعلام الأمريكي، وهما إيلون ماسك، الذي استولى على منصة تويتر، وغيرها إلى X ، وتاكر كارلسون، الذي طردته قناة فوكس نيوز قبل أشهر، فأعلن انحيازه التام للإعلام الجمهوري.

 

إن المتابع للأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الولايات المتحدة الأمريكية، سوف يكتشف أن الشعب الأمريكي مهتم بثلاثة أمور أكثر من غيرها، ألا وهي:

المخلوقات الفضائية. 

الحرب الروسية الأوكرانية.

الهجرة. 

وهي الشغل الشاغل لوسائل الإعلام ومنصات التواصل الإجتماعي الأمريكي!.

ولعل هذا الإهتمام هو ماصنع شعبية وتألق الصحفي تاكر كارلسون، الذي نجح في هز ثقة الشعب الأمريكي في إعلامه وقيادته المتمثلة في الرئيس الأمريكي جو بايدن، وفريقه. 

فبعد أن تم طرده من قناة فوكس نيوز الأمريكية، نشر أولى حلقاته من خلال اليوتيوب، وكشف فيها عن أهم قضيتين:

الأولى: فيما يخص الحرب الروسية الأوكرانية، حيث كشف أن أوكرانيا، وبعلم بايدن، هي من فجّرت أنبوب الغاز الروسي لأوروبا نوردستريم في سبتمبر 2022.

الثانية : بخصوص المخلوقات الفضائية، وقد كشف اعتراف طيار عسكري أمريكي سابق بوجود طائرات وطيارين من خارج كوكبنا في حوزة الأمريكان.

وحصدت هذه الحلقة ملايين المشاهدات خلال ساعات من بثها.!!.

 

وهاهو اليوم يحط الرحال في موسكو، ويُتوقع أن يجري لقاءً صحفياً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ليفجر في وجه الإعلام الديمقراطي، والشعب الأمريكي، قنبلةً جديدة. 

 

لقد سبق أن قال مقدم قناة فوكس نيوز السابق، تاكر كارلسون، أنه حاول مقابلة الزعيم الروسي، لكن الحكومة الأمريكية منعته، ولم يحدد التفاصيل.

وفي مقابلة مع مجلة Die Weltwoche السويسرية أكد الصحافي الأمريكي أن الحكومة الأمريكية منعته من إجراء مقابلة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وأكد كارلسون أن وسائل الإعلام، باعتبارها السلطة الرابعة، تعاني من مشكلة ثقة خطيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يعتبر نصف الأمريكيين أن وسائل الإعلام تحاول عمدا التضليل والكذب ونشر الدعاية المغرضة.

 

من جانبها، قالت رئيسة تحرير شبكة RT مارغريتا سيمونيان، في وقت سابق، إن كارلسون طلب إجراء مقابلة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ولهذا فإن الديمقراطيين يرتعدون خوفاً كما قالت تايلور غرين، فقد صرّحت عضوة مجلس النواب الأمريكي مارجوري تايلور غرين، بأن السلطات الأمريكية تخشى من مقابلة للصحافي تاكر كارلسون، المتواجد في روسيا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وكتبت تايلور غرين، على حسابها في منصة "إكس": "الديمقراطيون ومروجو الدعاية الإعلامية يرتجفون من فكرة إجراء تاكر كارلسون مقابلة مع بوتين".

 

ووفقا لعضوة مجلس النواب، فإن السلطات الأمريكية تغتاظ عندما "لا يسير شخص مثل كارلسون وفقا للنص". وأشارت إلى أن الأمريكيين "يسمعون الحقيقة" من أشخاص مثله.

وهنا لابد من الإشارة إلى أن تاكر كارلسون، والرئيس الأمريكي السابق، دولاند ترامب، بالإضافة إلى الملياردير إيلون ماسك، يشكلون مثلثلاً أمريكياً شديد التعقيد. وبخروجهم عن المألوف سياسيا وإعلامياً فإنهم يشكلون تهديداً مباشراً ليس للقيادة الأمريكية، بل للشعب الأمريكي برمته، لاسيما إذا ما كشف بوتين، في لقائه المزمع مع كارلسون، والذي يتوقع أن يتم بثه من خلال منصة X ، المملوكة للمياردير إيلون ماسك، عن تدخلات أمريكية لم يعلم عنها الشعب الأمريكي من قبل.

ومما لاشك فيه أن الرئيس الروسي، لن يفوّت فرصة هذا اللقاء، لاسيما وأن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا حققت نجاحات عسكرية واقتصادية لروسيا، وفي ذات الوقت كبّدت الغرب خسائر فادحة، وتسببت في تعميق الهوة بين الحزب الجمهوري والديمقراطي. 

في المقابل، سوف يشكّل هذا اللقاء أرضية مشتركة من التفاهات الروسية الأمريكية، وبخاصة إذا ما فاز الحزب الجمهوري في الملحمة الانتخابية المقبلة أواخر ٢٠٢٤م، وعاد ترامب، للبيت الأبيض.

وحتى ولو لم يتم اللقاء بين بوتين، وكارلسون، فإن زيارة الأخير لموسكو كفيلة بإذابة الجليد الذي غطى العلاقات الأمريكية الروسية منذ وصول بايدن، للسلطة.

لقد نجح الثالوث الجمهوري إعلامياً، على الأقل لحد الآن، في توجيه الرأي الأمريكي وتشكيله بما يتوافق ومصالحه ورؤاه في أهم القضيا التي تؤرقه، مما يمهد لاستعادتهم للسلطة.

إن تدفق المهاجرين وما يجري في ولاية تكساس، والحرب الروسية الأوكرانية، والانحياز لأوكرانيا ليست كفيلة بإعادة ترامب للبيت الأبيض فقط، بل أنها تجعل منه بطلاً قومياً لدى الشعب الأمريكي، بدون الحاجة إلى مواجهة عسكرية أو حرب أهلية، وبدون جيش الله، طالما أنه يمتلك الأدوات المؤثرة في المشهد السياسي، وينضوي تحت جناحه أقوى رجلين تأثيراً في أمريكا والشعب الأمريكي، وهما ذراعها إيلون ماسك، وتاكر كارلسون.

 

ولا غرابة أن هذه الزيارة لروسيا من كارلسون، وفي هذا التوقيت تحديداً، ليست سوى عربون صداقة مُقدّم من الحزب الجمهوري، واعتراف ضمني بقوة بوتين، ولو على حساب هيبة أمريكا.

وهي بلا شك سوف تشعل حملة الانتخابات التمهدية للحزب الجمهوري خاصة في الولايات المتأرجحة، وسوف تشكل ضربة قاصمة للحزب الديمقراطي وإعلامه.

وإذا ما أخذنا في الإعتبار الانحياز الأمريكي للكيان الصهيوني في حربه الشعواء ضد الفلسطينيين، فإن كفة الجمهورييون أكثر ترجيحاً، مما يزيد من فرص ترامب، ويقوي موقفه داخلياً وخارجياً.

ومن باب الإنصاف فإن المكاسب التي تحققت للجمهوريين إلى الآن، أغلبها جاءت ليس بسبب خبرتهم السياسية ولا لقوة مكينتهم الإعلامية، وإنما بأسباب ضعف الديمقراطيون وتخبطاتهم منذ وصول باين للبيت الأبيض، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن نهوض الشرق المتمثل في روسيا والصين، سبب ضغطاً شديداً على مكانة وقوة الولايات المتحدة الأمريكية في جميع النواحي، ولذا فلا غرابة أن تتخبط القيادة الأمريكية، ولا غرابة أن يخر عرشها الإعلامي، وتتناثر أقطابه، وليس كارلسون، إلا واحداً من مئات إن لم يكن آلاف الامريكين الذين سوف يخرجون من تحت العباءة الديمقراطية خلال الفترة القادمة، وبخروجهم سوف يكتشف الشعب الأمريكي والعالم الإعلام الأمريكي على حقيقته.

وكما قال الشاعر الجاهلي، عنترة بن شداد:

وَمَن يِكُن عَبدَ قَومٍ لا يُخالِفُهُم

إِذا جَفوهُ وَيَستَرضي إِذا عَتَبوا.