المقالات

هل تفعلها إسرائيل؟!؟

هل تفعلها إسرائيل؟!؟

✍️ ملهي شراحيلي

قال الشاعر الجاهلي، أوس بن حجر، قديماً:

إِذا الحَربُ حَلَّت ساحَةَ القَومِ أَخرَجَت

عُيوبَ رِجالٍ يُعجِبونَكَ في الأَمنِ

وَلِلحَربِ أَقوامٌ يُحامونَ دونَها

وَكَم قَد تَرى مِن ذي رُواءٍ وَلا يُغني.

منذ سنواتٍ مضت والسيد بنيامين نتنياهو، يراقب المنطقة، ويترقب اللحظة المناسبة لتنفيذ خططه التي لم يتمكن من تنفيذها منذ عشرات السنين.

وبما أن لبنان أصبح شبه مفكك ويرزخ تحت أزمة اقتصادية طاحنة ما يجعل من الصعب على «حزب الله» إطلاق مواجهة مكلفة مع إسرائيل، وسوريا تتقاسمها جيوش دولية وإقليمية وميليشيات ولا تبدو أنها قادرة على الانخراط في حرب.

والعراق منخرط في لملمة جراحه، وأزماته الداخلية تتلاحق.

وفلسطين بذاتها منقسمة على نفسها، جغرافياً وسياسياً، والإنقسام بين الضفة وغزة يتعمق، والسلطة الفلسطينية محاصرة ومستنزفة داخلياً وخارجياً.

وقبل هذا وذاك فقد استفادت ولاتزال إسرائيل تستفيد من الإنقسامات العالمية المترتبة على الحرب الروسية الأوكرانية، وانعكاساتها على منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.

بالإضافة إلى انخراط الشرق والغرب في الحروب الاقتصادية، المتمثلة في العقوبات الغربية ضد الصين وروسيا، وإعادة الإنتشار في إفريقيا.

 

في ظل هذه الظروف وغيرها جاء السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، ليس فقط على شكل هجوماً محدوداً ليستدعي رداً محدوداً ومضبوطاً، وإنما كان منذ الساعات الأولى كزلزال بمسرحه ومجرياته وضحاياه ورهائنه. 

ومع أن ذلك الزلزال كشف هشاشة القلعة الإسرائيلية، وغفلة أجهزتها الأمنية وبطء جيشها في التعامل مع المفاجأة، فقد كشف أيضاً أن الدولة المسلحة حتى الأسنان تحتاج إلى حضور الرئيس الأميركي شخصياً مع بوارجه لمساعدة إسرائيل على التقاط أنفاسها بعدما تم ضرب صورة الردع واقتلاع عدد من المستوطنين واقتيادهم إلى غزة.

لذا فقد استغلت إسرائيل، ونتنياهو شخصياً، أحداث السابع من أكتوبر، واعتبرت ما جرى ليست حرباً تقليدية، ولا امتحاناً عادياً، بل أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية اعتبرت ما جرى معركة تمس الوجود نفسه، وكذلك الغرب قرأ الزلزال من الزاوية نفسها.

 

لقد أعطى زلزال غزة انطباعاً سريعاً أنه أكبر من غزة!. وعلى ضوئه تشكلت حكومة طوارئ إسرائيلية للرد على الزلزال بعقاب أشد منه وأنكى. 

لقد كان زلزال السابع من أكتوبر غير مسبوق فعلاً في تاريخ تبادل الضربات الفلسطينية - الإسرائيلية، ولذا قررت إسرائيل أن يكون ردّها عليه مدمّراً وغير مسبوق أيضاً.

 بل أن الرد الغربي، لاسيما الأمريكي والفرنسي والبريطاني، كان رداً غير مسبوقاً، وعلى كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية، ولهذا وفي موازاة الحرب المفتوحة في غزة ظهرت علامات تؤكد أن المواجهة يمكن أن تفيض عن مسرحها الحالي!!، والأوضاع إلى هذه اللحظة تنذر بالمزيد من الردود الغير مسبوقة ومن كافة الأطراف المنخرطة في الحرب والتي على وشك الإنخراط فيها.

 إن تبادل الضربات على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، والهجمات على القواعد الأميركية في المنطقة، والصواريخ الحوثية التي اعترضتها البوارج الأميركية في البحر الأحمر، والقصف الإسرائيلي المتكرر لمطاري دمشق وحلب، ماهو إلا احتكاك على خط التماس الإسرائيلي - الإيراني، ناهيك عن القصف المكثف على المرافق العامة، والبنية التحية، وحتى دور العبادة، والمستشفيات في غزّة، وتهجير أهلها.

 

في خضم هذه الأحداث التي تعصف بالمنطقة نتيجة زلزال السابع من أكتوبر، وما ترتب عليها من ردّات فعل غربية وإسرائيلية، قام نتنياهو، خلال الأيام الماضية بجولة على الحدود مع لبنان، وخلال تلك الجولة أطلق نتنياهو، رسائل قاطعة وخَطِرة، أقل ما يقال عنها أنها إعلان حرب!!.

فقد قال : إن النزاع الحالي في غزّة هو مسألة حياة أو موت بالنسبة لإسرائيل و«لن نتراجع، قيد أنملة عن اجتياح غزّة ومحو حماس»!!.

وقال أيضاً: «إذا قرر (حزب الله) دخول الحرب فسيجلب دماراً لا يمكن تصوّره عليه وعلى لبنان».

إن كلام نتنياهو، هذا يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن حكومته ليست في صدد التراجع عن خيار الاجتياح البري لغزّة، وبهدف محدد، وهو شطب «حماس» من المعادلة.

ومع أن كلام نتنياهو، يعبّر عن قرار سيبدو مكلّفاً بل باهظاً في حال تنفيذه، فهو مكلفاً لـ«حماس» وللمدنيين وللإسرائيليين على حدٍّ سواء، إلا أنه في ذات الوقت يفتح المجال لتساؤلات جمة، لعل أهمها:

هل يدخل «حزب الله» الحرب إذا شعر بأن «حماس» مهددة فعلاً بالإبادة، أو على الأقل بضربة قاصمة؟

 وهل يجرؤ حزب الله على إتخاذ مثل هذا القرار رغم الوضع الكارثي في لبنان، والذي ينذر بما هو أسوأ في حال انخراطه في الحرب؟ 

هل تنطلق صواريخ من الجبهة السورية أيضاً؟، وهل الجيش السوري المُستنزف أصلاً قادر على مواجهة الضربات الإسرائيلية المحتملة؟ 

وماذا سيكون موقف إيران لو تمكّنت إسرائيل من التقدم بريّاً في غزة، وشرعت في شطب اللاعب السُنّي في محور الممانعة؟

 وماذا عن القوات الأميركية في المنطقة في حال استُهدفت أو اتسعت الحرب؟

ثم ماذا عن إسرائيل نفسها، إذا ما اندلعت أكثر من جبهة ضدها!.

فهل تستطيع إسرائيل الحرب على أكثر من جبهة في وقت واحد؟

 وهل اتساع الحرب سيغري نتنياهو، باستهداف البرنامج النووي الإيراني !؟!.

 

لقد أصبح الأمر واضحاً للجميع، من أن إسرائيل ليست في الوقت الحاضر مستعدة لخفض التصعيد أو الاستماع إلى دعوات وقف النار!، وتصريحات مؤسستها السياسية والعسكرية والأمنية، تريد تركيع «حماس» وتدّفّعها ثمن الزلزال الذي أطلقته، وهي تعلن صراحةً وتتحدث عن شطب «حماس» أو على الأقل توجيه ضربة قاصمة إليها.

وطالما أن إسرائيل استطاعت أن تقنع الغرب برؤيتها و"مظلوميتها" وأنها ضحية، ولابد أن تدافع عن نفسها، وطالما أن الغرب بقضه وقضيضه يقف خلفها فلا ترى إسرائيل حرجاً في تنفيذ تهديدها ووعيدها باجتباح غزّة، ومحو حماس من الوجود!.

فهل تفعلها إسرائيل؟

 

أنا شخصياً لم أتوصل إلى إجابة شافيه وكافية لهذا السؤال! ولكنني على يقين أن إسرائيل لن تتردد في تنفيذ ما يقرره الغرب نيابةً عنها.

 واضح جداً أن القانون الدولي مجيّر لصالح إسرائيل، بسبب المعايير الغربية المزدوجة لتفسير القانون الدولي، والأوضح من ذلك الموقف الغربي المنحاز لإسرائيل، هذا الموقف الذي يعمل خارج منظومة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، بل أنه يعمل لصالح الغرب وأدواته وفي مقدمة تلك الأدوات إسرائيل المدللة غربياً.

وهنا يتبادر السؤال:

هل الغرب وخاصة أمريكا وفرنسا وبريطانيا، سوف تسمح لإسرائيل بتنفيذ تهديداتها باجتياح غزّة، حتى لو أدى ذلك لاتساع دائرة الحرب، بما يشمل لبنان وسوريا وإيران وغيرها من بلدان المنطقة؟!؟.

أم أن الدول الغربية سوف تعمل على تحييد الأطراف الأخرى والسماح لإسرائيل باجتياح غزّة؟!؟

ماهي التنازلات التي سوف تقدمها أمريكا لحزب الله وإيران مقابل وقوفه بينما إسرائيل تجتاح غزّة؟

إن الموقف الغربي المنحاز لإسرائيل علانيةً وسرّاً،إذا ما فتّشنا عن حقيقته، فسوف نكتشف أن حقيقته لاتكمن في حب إسرائيل فقط، ولا كونها صهيونية أو يهودية مع مراعاة الفرق بين الكلمتين، ولا ينبع من اقتناع الغرب بمظلومية إسرائيل، وليس من باب، التشفي بحماس أو الإسلام فوبيا، بل أن هذا الموقف مردّه الأساسي، وباعثه الحقيقي، المصالح الغربية في الشرق الأوسط. 

لقد خسر الغرب خلال السنوات الماضية، مناطق نفوذ في غاية الأهمية، وخاصة في أوروبا، من خلال الحرب الروسية الأوكرانية، ونسف الدرع الصاروخية في أوروبا الشرقية ودول البلقان، وخسر كذلك إفريقيا، وهو على وشك أن يخسر تايوان، وحتى أعالي البحار في المحيط الهادئ، هذه الخسائر المتلاحقة، وردة الفعل والاستجابة الغربية ضدها جاءت سلبية، مما تسبب في تعطيل منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي المختطف من الغرب، ولذلك لم يتبقى للغرب سوى القضية الفلسطينية، وشوكتهم في المنطقة، وهي إسرائيل!.

لذا فمن الطبيعي جدا أن يكون الموقف الغربي متماهياً مع الموقف الإسرائيلي، بل لا غرابة إذا ما جاء أشد وأقوى من الموقف الإسرائيلي نفسه، وإسرائيل تعي وتدرك ذلك، وهي مع أنها تعي كونها أداة من أدوات الغرب في المنطقة، إلا أنها في هذه الحرب تستخدم الغرب كما يستخدمها.

لكن ومما لاشك فيه أن الغرب في كل الأحوال لن يسمح بخسارة إسرائيل للحرب، ولكنه في ذات الوقت لن يسمح لها أن تحقق مكاسب، أكثر مما يحقق الغرب.

أما إذا كنتَ تتساءل أخي القارئ الكريم، عن الموقف العربي، في حال تنفيذ إسرائيل تهديدها باجتياح غزّة؟

فمن وجهة نظري، فإن أفضل إجابة على هذا السؤال، قول الشاعر المُخضرم، زهير بن أبي سُلمى:

وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ

وَما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ

مَتى تَبعَثوها تَبعَثوها ذَميمَةً

وَتَضرَ إِذا ضَرَّيتُموها فَتَضرَمِ.