المقالات

القمة الخليجية ورابطة الآسيان

القمة الخليجية ورابطة الآسيان

✍️ ملهي شراحيلي

تشهد العاصمة الحبيبة الرياض، اليوم حدثاً عالمياً فريداً من نوعه، وهو أول قمة تجمع قادة دول مجلس التعاون الخليجي مع رابطة دول الآسيان، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، حفظه الله، وولي عهده الأمين محمد بن سلمان، وفقه الله. 

هذا الحدث الذي طال انتظاره، سوف يشكّل لحظة تاريخيه ليس للمملكة العربية السعودية، والخليج العربي فقط، بل سوف يشكّل مساراً جديداً من مسارات الاقتصاد والتنمية للعالم.

إن القمة الخليجية ورابطة الآسيان، التي سوف تنطلق أعمالها غداً الجمعة، بمشيئة الله تعالى، برئاسة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، وحضور قادة دول الخليج العربية، وقادة رابطة الآسيان، تهدف إلى اعتماد إطار التعاون المشترك للأعوام الخمسة المقبلة، من ٢٠٢٤ إلى ٢٠٢٨.

ويشمل التعاون المشترك عدة مجالات منها:

السياسة 

الأمن 

الاقتصاد 

الإستثمار 

السياحة 

الطاقة

الأمن الغذائي 

المجتمع 

الثقافة والفنون.

وبالمناسبة، فرابطة دول الآسيان تأسسـت فـي عـام 1967 بهـدف تسريـع النمـو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للدول الأعضاء وتضم، عشر دول من جنوب شرقي آسيا وهي:

إندونيسيا 

ماليزيا 

الفلبين

سنغافورة 

تایلند

بروناي 

فيتنام 

ميانمار

لاوس

كمبوديا

وتعد رابطة دول الآسيان، أحد أهم التجمعات الاقتصادية في العالم.

 

تأتي هذه القمة نتيجة للجهود الحثيثة التي تقودها المملكة، لتؤكد متانة العلاقات الاقتصادية والثقافية بين دول الخليج ورابطة الآسيان.

ولابد هنا من الإشارة إلى عمق الروابط التي تجمع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول رابطة جنوب شرق آسيا "آسيان"، من روابط مشتركة على رأسها الموقع الإستراتيجي والتقدم الاقتصادي، وتوطيد الشراكات الاستثمارية الدولية، والتنمية الثقافية، وتعزيز السلام والاستقرار الدولي.

 ويعود تاريخ العلاقات بين دول مجلس التعاون ودول رابطة الآسيان، إلى مارس 1986م، حينما قرر المجلس الوزاري في دورته الثامنة عشر الموافقة على إجراء اتصالات أولية مع رابطة دول جنوب شرق آسيا "الآسيان"، كما قرر المجلس الموافقة على فتح حوارات اقتصادية وبحث سبل تعزيز التعاون بينهما.

 وتأتي أهمية العلاقة بين دول المجلس ورابطة الآسيان من خلال تعزيز السلام والازدهار وتحقيق الرفاهية لشعوبهما.

 واستكمالاً لتلك الجهود عُقد الاجتماع الوزاري المشترك الأول للحوار الإستراتيجي بين مجلس التعاون ورابطة الآسيان بالمنامة في مايو 2009م، وتم خلاله توقيع مذكرة التفاهم للتعاون بين الأمانتين.

 وأقر الجانبان خلال الاجتماع الوزاري الثاني للحوار الإستراتيجي الذي عُقد في سنغافورة في يونيو 2010م، خطة العمل التي شملت المجالات الاقتصادية والثقافية، كما شُكلت ستة فرق عمل متخصصة في مجالات الاقتصاد والتجارة، والاستثمار الزراعي والأمن الغذائي، والتعليم، والسياحة، والطاقة، والثقافة، والإعلام.

 وفي نوفمبر 2013م عُقد الاجتماع الوزاري الثالث بين مجلس التعاون ودول رابطة الآسيان في المنامة، وأُكد فيه على أهمية احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية انطلاقاً من مبادئ حسن الجوار والنظام الأساسي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ومواثيق الأمم المتحدة وميثاق رابطة أمم الآسيان، ومبادئ القانون الدولي.

 كما حث الاجتماع على العمل؛ لتعزيز الشراكة الاقتصادية والثقافية والعلمية؛ بهدف تعميق العلاقات وتأطيرها، وتأكيد العمل من أجل السلام العالمي والإقليمي، باعتبار أن ذلك هو أساس التقدم والازدهار لشعوب العالم بأسره، كما اتفقا على تعزيز التعاون والتنسيق في المحافل الدولية حول المواضيع ذات الاهتمام المشترك.

 وأشاد الجانبان بعمق العلاقات بين دول مجلس التعاون ورابطة أمم الآسيان، والبعد الحضاري والثقافي الذي يربط بينهما، وتشجيع احترام التنوع، وحوار الأديان، والاعتدال من خلال التعليم والثقافة والإعلام والسياحة، التي تمثل دعامات أساسية في تقليص الأعمال المتطرفة كما أنها تعمق الثقة المتبادلة والفهم المشترك، حيث أن التعاون في هذه المجالات يعد من أهم ركائز القوة للمنطقتين وهو ما يعزز نموذجهما التنموي ودورهما الدولي.

 وفي سبتمبر 2018 م عقدت ترويكا مجلس التعاون لدول الخليج العربية جلسة مباحثات مشتركة مع رابطة أمم جنوب شرق آسيا "الآسيان" على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثالثة والسبعين في نيويورك.

 والتزمت الجلسة بتعزيز العلاقات في إطار الرؤية المشتركة، إضافة إلى تبادل وجهات النظر بشأن القضايا الإقليمية والدولية والمخاطر المشتركة.

 وفي سبتمبر 2019 م، عُقدت في مقر الأمم المتحدة بمدينة نيويورك، جلسة مباحثات بين مجلس التعاون وبين رابطة أمم جنوب شرق آسيا "الآسيان" على هامش اجتماعات الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة.

 وأكدت الجلسة أهمية التجارة الحرة المفتوحة، والالتزام بسيادة القانون، والنظام التجاري متعدد الأطراف المبني على القواعد التي تجسدها منظمة التجارة العالمية.

 وتعزيزاً للعلاقات بين دول مجلس والتعاون ورابطة "آسيان"؛ تم الانضمام لمعاهدة الصداقة والتعاون في جنوب شرق آسيا، لتؤكد على الروابط الوثيقة مع دول شرق آسيا، وتوسع أطر التعاون في العديد من المجالات، حيال القضايا ذات الاهتمام المشترك، وتسهم في تحقيق تطلعات كافة البلدان نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتعزيز العمل المشترك، وخلق فرصة تنموية واقتصادية جديدة للجميع.

 وتمهيداً لاجتماع القمة الخليجية ورابطة جنوب شرق آسيا "آسيان" أكتوبر 2023، عقدت الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في الرياض أغسطس الماضي، اجتماعاً تحضيرياً للقمة، جرى خلاله مناقشة التحضيرات، وبحث سبل تعزيز العلاقات بين الجانبين.

 واستمراراً للعمل الاقتصادي المشترك، بلغ حجم التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون ودول رابطة الآسيان 93.9 مليار دولار أمريكي في العام 2019م، حيث سجلت قيمة الصادرات السلعية نحو 60.9 مليار دولار أمريكي، فيما سجلت قيمة الواردات السلعية 33.0 مليار دولار أمريكي.

 وتشكّل المنتجات النفطية نسبة 73.1% من إجمالي الصادرات السلعية لدول مجلس التعاون إلى دول الآسيان، وبلغت قيمتها 44.5 مليار دولار أمريكي خلال العام 2019، تلتها منتجات البلاستيك ومصنوعاته بنسبة 8.7% وبقيمة بلغت 5.3 مليارات دولار أمريكي، ثم الذهب والمعادن الثمينة بنسبة 3.8% وبقيمة بلغت 2.3 مليار دولار أمريكي.

 وحرصاً على تعزيز هذه العلاقات ودفعها قدماً، تأتي استضافة المملكة لاجتماع القمة الخليجية مع دول رابطة الآسيان، غدًا، في مدينة الرياض.

 وتُعقد القمة في إطار رؤية خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد – حفظهما الله- على بناء شراكة إستراتيجية بين دول مجلس التعاون ودول رابطة الآسيان ورفع مستوى التنسيق بينها حيال الملفات والقضايا ذات الاهتمام المشترك، ولتفعيل الشراكات الإستراتيجية لمجلس التعاون إقليمياً وعالمياً، بما يعود بالنفع على مواطني دول المجلس وعلى المنطقة.

 ويعكس انعقاد القمة الخليجية مع رابطة دول الآسيان في المملكة، تقدير الدول المشاركة لمكانتها على المستوى الإقليمي والدولي، والتزامهما بتأسيس شراكة إستراتيجية مستقبلية طموحة بين دولهم من خلال إطار التعاون المشترك للخمس سنوات القادمة وما سيصدر عن القمة من قرارات ومبادرات.

 وتكمن أهمية انعقاد القمة الخليجية مع رابطة دول الآسيان في كونها الأولى من نوعها على مستوى قادة الدول، وأنها تعكس انفتاح دول مجلس التعاون وعلى رأسها المملكة على الشراكات مع التكتلات الفاعلة في المجتمع الدولي، بهدف تعزيز مكانة مجلس التعاون لدول الخليج العربية عالمياً.

ومما يلفت الإنتباه لهذه القمة، أنها تأتي في وقت يشهد فيه العالم أكبر مجزرة حربية ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينين العزّل في غزة، بمساعدة وتأييد غربي وانخراط أمريكي سافر في القضية الفلسطينية، ومع أن القمة مجدولة سابقاً، ورغم فضاعة مايجري في غزة، إلا أن قادة دول مجلس التعاون الخليجي، ورابطة الآسيان، أصروا على عقدها في وقتها، وكأنهم يبعثون برسالة للعالم، مفادها أننا نفضل البناء والتمنية على الحرب والدمار. 

والأجمل من هذا، أن القيادة الرشيدة للمملكة، لم يشغلها توافد قادة دول مجلس التعاون الخليجي، وقادة رابطة الآسيان، والترتيب للقمة، عن قضيتها الأساسية وهي القضية الفلسطينية. 

ولا أدلّ على ذلك، مايجريه ولي العهد حفظه الله، من اتصالات ومشاورات مع قادة دول العالم، بغرض وقف الهمجية الإسرائيلية، وإيصال المساعدات فوراً للمحاصرين في غزة.

وعوداً على بدأ فإن القمة الخليجية ورابطة الآسيان، ما كانت لتنعقد لولا الهمة العالية، والرأي السديد للقيادة الرشيدة، التي ترى أن التعاون المشترك هو الأساس الذي عليه تُبنى الحضارات، وبه ترتقي الشعوب.

وكما قال الشاعر العراقي، معروف الرصافي:

همّم الرجال مَقِيُسة بزمانها

وسعادة الأوطان في عُمرانها

وأساس عمران البلاد تَعاوُنٌ

مُتواصلُ الأسبابِ من سُكّانها.