المقالات

طوفان الغرب الأوسط 

طوفان الغرب الأوسط 

✍️ ملهي شراحيلي

لطالما حذّر العُقلاءُ في الشرق والغرب، والشمال والجنوب، وكافة أصقاع الأرض، من أن الممارسات الإسرائيلية الممنهجة في الأراضي العربية المحتلة، وخاصة في القدس الشريف، تُنذر بما لايُحمد عُقباه.

ولا يخفى على المتابع للأحداث، سيل التحذيرات والتنديدات التي أطلقتها حكومة المملكة العربية السعودية، عبر وزارة الخارجية، خلال الأسابيع والأيام الماضية، بسبب الانتهاكات الإسرائيلية، المتمثلة في استمرار الاحتلال وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة، وتكرار الاستفزازات الممنهجة ضد مقدساته.

وهاهو اليوم يندلع الطوفان، وتتفجّر الأوضاع في الأراضي المحتلة، ويسقط مئات القتلى وآلاف الجرحى، أغلبهم مدنيين عزّل ونساء وأطفال، من الفلسطينيين والإسرائيلين على حدٍ سواء، وما المشاهد التي تتناقلها وكلات الأنباء، وتبثّها وسائل الإعلام، ليست سوى قطرة من الطوفان الحاصل هناك.

 

لقد لخّص البيان السعودي، الذي نشرته وزارة الخارجية صباح اليوم، الأسباب الحقيقية وراء الأحداث الجارية، مُذكّراً بالتحذيرات المتكررة، ودعا إلى الوقف الفوري للتصعيد، موضحاً المخرج الوحيد، والحل الأكيد المتمثل في حل الدولتين.

وقالت وزارة الخارجية في بيان رسمي اليوم:

"أن المملكة العربية السعودية تتابع عن كثب تطورات الأوضاع غير المسبوقة بين عددٍ من الفصائل الفلسطينية وقوات الإحتلال الاسرائيلي، مما نتج عنها ارتفاع مستوى العنف الدائر في عددٍ من الجبهات هناك.

وتدعو المملكة للوقف الفوري للتصعيد بين للجانبين وحماية المدنيين وضبط النفس.

وتذكّر المملكة بتحذيراتها المتكررة من مخاطر انفجار الأوضاع نتيجة استمرار الإحتلال وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة وتكرار الاستفزازت الممنهجة ضد مقدساته .

وتجدد المملكة دعوة المجتمع الدولي للإضطلاع بمسؤولياته وتفعيل عملية سلمية ذات مصداقية تفضي إلى حل الدولتين بما يحقق الأمن والسلم في المنطقة ويحمي المدنيين."

 

لقد كانت القضية الفلسطينية منذ ظهورها قبل أكثر من ٧٥ عاماً، إلى يومنا هذا محوراً رئيسياً للسياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية، ولاتزال تسعى المملكة بكل قواها بالدفع إلى إنهاء هذه القضية بما يضمن للشعب الفلسطيني كامل حقوقه بإقامة دولته المستقلة على حدودها المعترف بها دولياً، وعاصمتها القدس الشرقية، بيد أن التعنت الإسرائيلي المدعوم غربياً، ظل يماطل ويراوغ، آملاً في الحصول على تنازلات عربية وفلسطينية، وهو بهذا لايتجاهل القانون الدولي فحسب، بل متجاهلاً للقانون الكوني والعدالة الربانية.

لقد عاش اليهود قروناً تحت الإضطهاد الأوروبي، ولذلك فإنهم لايجدون غضاضة في ممارسة هذا الإضطهاد ضد الفلسطينين العزّل، وهاهم اليوم يذوقون أشد أنواع الإضطهاد من الفصائل الفلسطينية.

لقد ظلت الجزائر أكثر من ١٢٠ سنة تحت الإحتلال، وفي النهاية تحررت. 

أما فلسطين فلم يمضِ على احتلالها سوى ٧٥ عاماً مما يعني أن مشوار التحرير لايزال في بداياته، وربما تكون أحداث اليوم الشرارة الحقيقية الأولى للتحرير. 

وعلى اليهود أن يدركوا (قبل فوات الأوان) أن مصير الإحتلال الزوال إن عاجلاً أو آجلاً، وأن يتخلوا عن العنف، لأنه ببساطة سوف يُمارس عليهم في يوم من الأيام.

إن المشاهد المؤسفة، والمقاطع المروعة التي تبثّها فصائل المقاومة، لا تعبّر عن النصر بأي حال من الأحوال، بقدر ما تعبر عن كمية الإضطهاد التي تعرضوا لها لعقود من الزمن.

وعلى الفصائل الفلسطينية أن تحترم حقوق البشر حتى وإن كانوا يهوداً محتلون، لاسيما الأطفال والنساء والعزّل من الرجال، وأن تتعامل مع الأسرى والرهائن بمقتضى القوانين، ووفق الشريعة الإسلامية السمحة، هذا إن أردوا النصر والتمكين.

إن الطوفان الذي أعلنته اليوم، الفصائل الفلسطينية، تحت مسمّى: طوفان الأقصى، قد ينعكس على الفلسطينيين أنفسهم، وقد لايتوقف على حدود فلسطين، فقد يأتي على منطقة الشرق الأوسط برمتها، أو كما تسميها الصين: الغرب الأوسط العربي.

إن مما لايخفى على أحد، أن القضية الفلسطينية ليست مشكلتها في الإحتلال فقط!، بل أن الخلافات الفلسطينية البينية أشد ضرراً، وأكثر أثراً في مجرى القضية.

وإذا كان النصر ليس سوى صبر ساعة، فإن التحرير لن يتأتى إلا إذا كان هو الهدف وليس السلطة.

وكما قال الشاعر التونسي، أبو القاسم الشابي:

إِذا الشَّعْبُ يوماً أرادَ الحياةَ

فلا بُدَّ أنْ يَسْتَجيبَ القدرْ

ولا بُدَّ للَّيْلِ أنْ ينجلي

ولا بُدَّ للقيدِ أن يَنْكَسِرْ

ومَن لم يعانقْهُ شَوْقُ الحياةِ

تَبَخَّرَ في جَوِّها واندَثَرْ.