المقالات

نحلم ونحقق 

نحلم ونحقق 

✍️ ملهي شراحيلي

ترفرف الأعلام، ووتتزين الميادين والطرقات، وتتبارى الأقلام، وتتأهب النوادي والتجمعات، استعداداً للإحتفال باليوم الوطني الـــ٩٣ لبلادي، يوم الإباء والمجد، يوم انبلج النور، وانقشع الظلام.

هذا اليوم الخالد، الذي صنع للسعودي تاريخاً زاخراً، وحاضراً ناصعاً، ومستقبلاً واعداً.

وقبل أن تنطلق الاحتفالات الشعبية، والألوان الوطنية، أطلّ علينا مهندس الوطن، ومبرمج الحاضر، وصانع المستقبل، عرّاب الرؤيــــــة السعودية ٢٠٣٠، في لقاء مطوّل من خلال فوكس نيوز، ولم يكن هذا اللقاء الصحفي، سوى مشاركة وجدانية، ولفته أبوية من سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله ورعاه، لأبناء شعبه، ليذكّرهم بما شاركهم في إنجازه، من خلال ماتحقق من أهداف الرؤية السعودية حتى عيدهم الـــ ٩٣.

وحقيقةً أن ماتحقق إلى الآن من أهداف الرؤية، لايدعو للفخر والاعتزاز فقط، بل بفضل الله يفوق الوصف ويتعدى الخيال، فكم من منجزات بفضل الله، ثم بفضل حنكة ودهاء ولي العهد، كان أقل مايقال عنها مجرد أحلام، ولكنها بعزيمة الرجال وههمم الأبطال تحققت قبل وقتها، ولله الحمد من قبل ومن بعد. 

لقد استمتعت وأنا أشاهد سموه الكريم، وهو يتحدث عن منجزات السعودية خلال الأعوام الماضية، ولم يكن حديثه إنشائياً، ولا عباراته رنانة، ولا بجملٍ تحتمل أكثر من معنى!!، بل كان يتحدث بلغة الأرقام، تلك اللغة التي لايتقنها إلا العباقرة من القادة الأفذاذ، والزعماء الأشدّاء.

لقد استمعت وشاهدت الكثير من ملوك ورؤساء دول العالم، وقرأت للكثير منهم خُطباً ومقالات، وحوارات صحفية، ولا أبالغ إذا قلت أن جميعها تندرج تحت بند واحد وهو العاطفة.!

فجلّ الزعماء، إن لم يكن كلهم يركزون على دغدغة مشاعر شعوبهم، ويستحثون فيهم روح الوطنية والقومية لجذب انتباهمم، واستمالة رأيهم.

بخلاف ولي العهد حفظه الله، الذي دائماً ما يتحدث بالحقائق والأرقام، وهذا مايجعله مختلفاً عن الجميع.

وفي هذا اللقاء بالذات، استطاع بذكاء وحنكة أن يُوصل للعالم أجمع رسالته الخاصة، بلغتهم الخاصة، ورسالة شعبه ووطنه، من خلال رؤيته الرشيدة، لما يجب أن يكون عليه العالم، والمنطقة ثم المملكة العربية السعودية، خلال العقود القادمة.

لقد أعلنها بكل وضوح وشفافية، أن الشيء الثابت الوحيد في السياسة هو التغيير.

وأن المملكة العربية السعودية لاتعيش بمعزل عن محيطها، وهي جزء أساسي ولها وزنها وحجمها سواءً في محيطها العربي والخليجي، أو على مستوى العالم. 

وأن انضمام السعودية لبريكس، أو لمجموعة العشرين، أو مجموعة السبع، أو أي تكتل سياسي أو اقتصادي لا يعني أنها تدعم فريق أو دولة ضد أخرى، وكما ترتبط السعودية بعلاقات اقتصادية وسياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية، فهي أيضا تربطها علاقات اقتصادية وسياسية مع باقي دول العالم، ومنها الصين وروسيا وحتى إيران، سواءً داخل أوبك أو خارجها. 

إن الرؤية الواضحة التي يتبناها ويؤمن بها ولي العهد، لا تقتصر على بناء اقتصاد مزدهر للسعودية فحسب، بل للمنطقة والعالم، من خلال خلق فرص اقتصادية وبناء تحالفات، كما هو الحاصل الآن عبر إنشاء طريق اقتصادي يربط آسيا بأوروبا. 

 

إن العلاقات السعودية الإيرانية، وحتى مع إسرائيل إذا ما تمت، فالهدف منها إرساء الأمن للمنطقة وبالتالي الحفاظ على السلم والأمن الدولي، والقضاء على الحركات المتطرفة والمسلحة التي تهدد أمن واقتصاد المنطقة والعالم.

وعن الإصلاحات الداخلية السعودية، لم يُخفي سموه، امتعاظه من هشاشة وضعف بعض الأنظمة، رغم ما تحقق لحد الآن من إصلاحات تنظيمية وتشريعات وقوانين، إلا أنه قال:

لا أخجل أن أعترف أنه توجد إلى الآن أنظمة داخلية تحتاج إلى التغيير. 

ولأنه يمتلك نظرة شمولية، فهو يعلم يقيناً أن جميع المسارات يجب أن تسير بوتيرة واحدة لتحقيق أعلى قدر من التكامل والانسجام، فالرياضة والسياحة والتعدين والزراعة والصناعات الحديثة، يجب أن تعمل بتناغم وانسجام لرفع الناتج المحلي، وبالتالي رفع رفاهية المواطن.

لقد أظهرت الأرقام الاقتصادية أن السعودية هي الدولة الأسرع نمواً على هذا الكوكب، خلال هذا العام والعام الماضي، وسوف تستمر في تحطيم أرقام النمو الاقتصادي خلال الأعوام القادمة بمشيئة الله تعالى. 

إن الدعم السخي الذي حظي به قطاع الرياضة، كان محوراً من أهم محاور اللقاء، وكانت ردود الأمير في هذا الجانب واضحة وجلية بأن الهدف الرئيسي من ذلك مساهمة هذا القطاع في التنمية، ورفد الاقتصادي الوطني من خلال الرياضة، بغض النظر عن تسمية الآخرين، ووصفهم لهذا الدعم. 

وإذا كانت الأرقام تخطت ما كان مخططاً له في رؤية ٢٠٣٠، فيما يخص السياحة وزوار المملكة، فقد تم رفع الهدف لاستقطاب ١٥٠ مليون سائح في ٢٠٣٠، وهذا الهدف سوف يتحقق قبل ٢٠٣٠.

 

ومما لاشك فيه أن اللقاء لم يخلو من أسئلة مفخخة، لاسيما فيما يخص العلاقات السعودية الصينية، والحرب الروسية الأوكرانية، والعلاقات السعودية الأمريكية، وغيرها من الأسئلة التي لم تكن بريئه في عمقها، وإن كان ظاهرها صحفياً إلا أن باطنها سياسياً، غير أن الأمير أجاب عليها بكل هدوء وثقة، وكان واضحاً جداً ومقنعاً، ولم يتردد في إستخدام الدبلوماسية، ورد الشبه بالحجة.

وخلال هذا اللقاء، وفي أكثر من محور، يؤكد الامير، أن كل ما تحقق لحد الآن ليس إلا لسبب واحد وهو أن الشعب السعودي يقف بقوة وعزم مع الرؤية السعودية ويدعمها، وأنا شخصياً لا أدعم الرؤية السعودية ٢٠٣٠، فحسب، بل وأعتقد جازماً أنها المشروع السياسي الوحيد الموجود حالياً على وجه الأرض، يستطيع أن يُحدث فرقاً ليس للمملكة العربية السعودية، وللمنطقة فقط، وإنما للعالم بأسره. 

وإذا كانت الرؤية في بداياتها مجرد حلم، وقد تحقق الآن، فلماذا لانحلم بعالمٍ جديد كلياً يستمد قوته من الرؤية السعودية؟!؟

 

أنني على يقين أن سمو الأمير حفظه الله ورعاه، ليس لديه رؤية ٢٠٣٠ فقط، وإنما لديه رؤىً أكثر جُرأة، وأعمق أثراً، وأغزر نفعاً، وأكبر طموحاً، وسوف يأتي اليوم الذي نحتفل أو يحتفل أبناؤنا وبناتنا أو حتى أحفادنا بها، في أيامٍ مضيئه لاتقل إشراقاً من يومنا الوطني الـــ٩٣ هذا.

 

وعوداً على بدأ، في يوم الوطن المجيد، لقد كان لقاء ولي العهد حفظه الله، مفخرة للوطن وأبناء وبنات الوطن، ومعايدة من سموه الكريم، لشعبه الوفي، في يومهم الوطني، ولقد صدق الطغرائي، حين قال:

لقاءُ الأمانِي في ضمان القَواضِبِ

ونيلُ المعالي في ادِّراعِ السَّبَاسِبِ

إِذا ما ارتمى بالمرء مَنْسِمُ ذِلّةٍ

فليس له إِلّا اقتعادُ الغَواربِ

وما قَذَفاتُ المجدِ إِلّا لفاتكٍ

إِذا هَمَّ لم يستَقْرِ سُبْلَ العواقبِ

يفُلُّهُمُ بالرَّوْعِ قبلَ طِرادِهمْ

ويَهزِمهُمْ بالكُتْبِ قبلَ الكتائبِ.