
الكاتب: محمد السفياني
كانت الأمية إحدى مناقب نبينا محمد علية الصلاة والسلام لإثبات صدقه، وأنه لم يأتي بما جاء به عن سبق معرفة وإطلاع وعلم، أو عن مهارة في نظم الحروف والكلم، بل تنزيل من حكيم عليم. ومهما ظننت كمال المعرفة والعلم، فستجد من هو أعلم منك، فكليم الله تعالى موسى حين ظن أنه أعلم أهل الأرض، أُخبر عمن هو أعلم منه، وذهب يبحث عنه، فلقيه وتعلم منه، وهو الخضِرعليهما السلام. وبعد أن خلق الله تعالى أدم أبو البشر عليه السلام، علّمه تعالى الأسماء كلها وهي (كل مايمكن أن يستوعبه عقل ذريته)، لذا فإن التعلم عملية حتمية لما هو حولنا، ممن نتعلمه طوعاً، أو جبراً لنعيش، ونتعايش مع الغير، ولم ولا يوجد جاهل بكل شئ، بل الجميع كان ومازال وسيظل عالم بشئ ويجهل شئ أخر. إذاً هو عملية مستمرة، وليس بمحصور بمكانٍ محدد، ولا بزمان معين، ولا يحُدُّه إلّا ماتقف عنده قدرات عقل البشر وتأبى أن تزيد. وقد حثنا النبي عليه الصلاة والسلام للتعلم، ورغّبنا فيه، ودعا لعبد الله بن عباس بذلك، وذلك لنؤدي ماعلينا، وما أُمرْنا به من إعمار هذه الأرض. التعليم الرسمي بدأ في بلادنا المباركة قبل مايزيد عن قرن من الزمن، ويأتي السؤال عن الحياة قبله كيف كانت، وكيف عاش الأجداد خلالها، فقد كانت وفق المقومات المتاحة حينها في رغد من العيش، وفق مهارات اكتسبوها نتيجة لعلوم توارثوها، سواءً في الطب، أو الهندسة، أو علم الفلك، أو الحساب، أو الزراعة، أو المهن اليدوية بجميع فنونها، وغيرها الكثير، حتى "عمروا الأرض وأقاموها"، وحين فُتحت دور التعليم الرسمي، لم ينضم إليها الكثير منهم لعدة أسباب: ولعل من أهمها إعتقادهم أنها لن تضيف لهم شئ! وحين أنضم أبناؤهم إلى المدارس، تعلّموا وتميزوا، وخرج لنا منهم ما بين علماء، ومتعلمين، في علم ماتحت الأض، إلى سطح الأرض، صعوداً لخارج كوكب الأرض! ولم يكن التعليم الرسمي وحده السبب في ذلك قطعاً، لكنه نقلهم من الغسق إلى النور، ومن العشوائية إلى النظام، ومن الحرية إلى الإنضباط، وبعد تضافر ما اكتسبوه وتوارثوه مع ما درسوه وتعلّموه، ومع حزم التربية، وتأثير الفطرة والطبيعة الساحرة، وصلوا إلى قمة، نعجز أن نصل إليها لولا التقنية! ولوأنهم لم يجدوا في تلك الفترة فرص للعمل، لعادوا لما لديهم من موروث مهني نشأوا على كنفه. ومن أمثلة ذلك الرعيل: خميس بن رمثان، رجل الصحراء، والمعروف ببوصلة الصحراء، ربما في: "علم النجوم، وارتفاعات ومنخفضات الكثبان الرملية ومؤشرات ذلك وغيرها" والذي تظافرت مهاراته مع العلوم والأجهزة والأدوات التقنية التي كانت مع فريق التنقيب في صحراء الربع الخالي، والتي تتشابه في اتجاهاتها الأربعة، وكانت النتيجة أن تم استخراج النفط، حتى ارتبط اسم خميس بن رمثان بتاريخ اكتشاف النفط في المملكة العربية السعودية، والذي أضاء العالم نور وازدهار. ولا أشبه من الجيل الذهبي المشار إليه أعلاه في وقتنا الحالي، إلّا أبطال التعلم الذاتي، الذين جمعوا بين الحسنيين، تعلموا في دور التعليم الرسمي "المعرفة، والمهارات"، وأحكموها بالتعلم الذاتي، وأستزادوا به، وبقدر"التمكن يأتي غالباً التمكين". والتعلم الذاتي كثرت وسائله، وأصبح التعليم الرسمي يصل إلى طلابه كثيراً من خلال وسائله.ومن أمثلة من برزوا في وقتنا الحالي بسبب التعليم الذاتي وتنمية قدراتهم بشكل شخصي: فهد الأحمدي، الكاتب والمؤلف والذي كتب عن العالم، وجعلنا نزور العالم، ونحن في بيوتنا، وأثرى أفكارنا، وأضاف لنا، ولمحركات البحث الكثير على مدار 28 عام، بـ 9520 مقالاً، إضافة الى العديد من المؤلفات صغيرة الحجم عظيمة الكيف والكم،بأصالتها، وغرابة مافيها من معلومات وأفكار وأراء، وكل هذا من رجل لا يحمل سوى شهادة الثانوية وأشك أنه يحملها، لأنه فقدها ولا يوجد ما يدل على حمله إياها! المثال الأخر: مشاري الذايدي، المحلل والمذيع والكاتب، أشبهه شخصياً بمركز دراسات سياسية متنقل، صديق الكاميرات، ومهندس المقالات بلغة رصينة، ومفردات نادرة الإستخدام وذات المعنى، ولديه مهارة فريدة في التحليل والإستقراء، ويسطر إبداعاته بإختصار لا يُقِل ولا يُمِل، ومؤهله التعليمي مادون الثانوية العامة. وخلاصة المقال هو: أن التعليم الرسمي وما ينتج عنه من مهارات لا يكفي لأن تكون نجماً ساطع، بل هو يقطع بك أكثر من نصف الطريق، ثم إن أردت ستكمل الباقي بتعليم إضافي أنت من يجدوله، ويفرض على نفسه مادته، ويختبر نفسه، ثم يصحح لها أيضاً، والنتيجة هي "الإستفاضة مما تعلمته، أو صقل تلك المهارات التي اكتسبتها، أو تعلم علم جديد، واكتساب مهارات جديدة"، فالتعليم الرسمي ضياء، والتعليم الذاتي نور، يتعاقبان في سماء وطن طموح، بمجتمع حيوي، ولإقتصادٍ مزدهر.
(0) التعليقات
تنبيه
من فضلك قم بتسجيل الدخول من هنا لتتمكن من أضافة تعليق
لا توجد تعليقات