المقالات

"كبير كُبْرَ العيد"

"كبير كُبْرَ العيد"

✍️ ملهي شراحيلي

واحدةً من ألطف العبارات وأجملها، التي كنّا ولا نزال نرددها في كل عيد، كدعوة للأطفال الصغار. 

وكم كنّا نسعد بسماعها من أمهاتنا وآبائنا وأجدادنا وجداتنا، وهم يقبّلون رؤسنا مرددين :"كبير كُبْرَ العيد".

لم نكن ندرك محتواها، ولا حتى نفهم معناها، ولكنها كانت تبعث في نفوسنا السرور، وتؤجج فينا مشاعر الفرح بالعيد السعيد. 

كنّا نتسابق إلى كبار السن، من شيوخ وعجائز القرية، لا لنسلّم عليهم ونهنئهم بالعيد، وإنما لكي يقولون لنا هذه العبارة الرنانة التي تحفّزنا على النمو، وترغّبنا في أن نكبر.

ومع كل عيد كنّا نكبُر شيئاً فشيئاً، ولكن في ذات الوقت كنّا نفقد واحداً تلو الآخر ممن كان يقولون لنا :"كبير كُبْرَ العيد".

حتى وصلنا إلى ما وصل إليه المتنبّي، حين قال:

عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ

بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ

أَمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ

فَلَيتَ دونَكَ بيداً دونَها بيدُ

لَم يَترُكِ الدَهرُ مِن قَلبي وَلا كَبِدي

شَيْئاً تُتَيِّمُهُ عَينٌ وَلا جيدُ.

 

 

ذهبوا إلى رحمة الله، ولاتزال عبارتهم خالدة في وجداننا، نرددها لصغارنا، ونحن نتجرع ألم فراقهم، ولوعة رحيلهم.

نخفي اشتياقهم، ونكتم نار بُعدهم.

وكما قال أبو الطيّب المتنبّي:

وَما صَبابَةُ مُشتاقٍ عَلى أَمَلٍ

مِنَ اللِقاءِ كَمُشتاقٍ بِلا أَمَلِ.

 

 

في كل عيد نستذكر أولئك الذين كانوا يفرحون بنا، أكثر من فرحتنا بالعيد، فتتراقص ذكرياتهم في ذاكرتنا، وتتردد عباراتهم على مسامعنا، وكأنهم معنا في كل عيد، فتغلبنا عبراتنا، وتهل مدامعنا. 

‏نعم بكيناهم، ونبكيهم في كل عيد، وسنظل نبكيهم إلى أن نلحق بهم، ولكن وكما قال الشاعر:

‏بكيتُ وهل بكاءُ القلبِ يجدي 

فِراق أحبّتي وحنينُ وجدي!!.؟

 

وعوداً على بدء فعبارة: "كبير كُبْرَ العيد".

لها معاني عميقة، ودلالات فريدة، وهي بالمناسبة تكاد تكون من العبارات الحصرية التي لن تسمعها إلا في جازان.

وهي تعني الدعاء للأطفال بأن يمد الله في أعمارهم، ويكبّرهم في أجسادهم وعقولهم ومجتمعهم، كُبْراً لايضاهيه إلا كبر العيد، وهل هناك أكبر من العيد!!؟

 

 

وبما أننا على مشارف عيد الفطر السعيد، أعاده الله علينا وعليكم باليُمن والبركات، وقد من الله علينا بصيام رمضان المبارك، وقيام لياليه، ولله الحمد من قبل ومن بعد، فمما يُستحب للمسلم أن يفرح وينثر الفرح على من حوله، ولاسيما على الأطفال. 

وكيف لايفرح وقد أتم الصيام والقيام، وهذه الفرحة الأولى للصائم، كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال:

للصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه.

وفي صحيح البخاري، قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: قالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إلَّا الصِّيَامَ؛ فإنَّه لي، وأَنَا أجْزِي به، والصِّيَامُ جُنَّةٌ، وإذَا كانَ يَوْمُ صَوْمِ أحَدِكُمْ فلا يَرْفُثْ ولَا يَصْخَبْ، فإنْ سَابَّهُ أحَدٌ أوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ. والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِن رِيحِ المِسْكِ. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ.

وفي صحيح مسلم، كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، إلى سَبْع مِائَة ضِعْفٍ، قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إلَّا الصَّوْمَ؛ فإنَّه لي، وَأَنَا أَجْزِي به، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِن أَجْلِي. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فيه أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِن رِيحِ المِسْكِ.

وفي صحيح النسائي، ما مِن حسَنةٍ عملَها ابنُ آدمَ إلَّا كتبَ لَهُ عشرُ حسَناتٍ إلى سَبعِ مائةِ ضعفٍ ، قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ : إلَّا الصِّيامَ فإنَّهُ لي ، وأَنا أجزي بِهِ يدَعُ شَهْوتَهُ وطعامَهُ مِن أَجلي ، الصِّيامُ جنَّةٌ . للصَّائمِ فرحَتانِ : فرحةٌ عندَ فطرِهِ ، وفَرحةٌ عندَ لقاءِ ربِّهِ . ولَخُلوفُ فَمِ الصَّائمِ أطيَبُ عندَ اللَّهِ مِن ريحِ المِسكِ.

وفي مسند الإمام أحمد، للصَّائمِ فَرحتانِ: فَرحةٌ حين يُفطِرُ، وفَرحةٌ حين يَلقى رَبَّهُ، ولَخُلوفُ فَمِ الصَّائمِ أطيَبُ عِندَ اللهِ مِن ريحِ المِسكِ.

 

والفرح : انشراح الصدر بلذة.

 قال القرطبي : "الفرح لذةٌ في القلب بإدراك المحبوب».

وقال الجرجاني: الفرح : لذة في القلب لنيل المشتهى.

والفرح منه ماهو محمود، ومنه ماهو مذموم، فالفرح المذموم، هو الفرح الذي يحمل عليه الأشر والبطر كفرح قارون ﴿إنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾.

 

أما الفرح المحمود، فهو الفرح بتحقيق طاعة الله أو بالحصول على نعمة من نعمه، قال تعالى:﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾

قال ابن عطية، في الضابط في الفرح المذموم وغير المذموم في القرآن : «الفرح إذا ورد مقيداً في خير فليس بمذموم وإذا ورد مقيداً في شر أو مُطلقاً لحقه ذم إذ ليس من أفعال الآخرة».

 

إنّ الإنسان في حاجة إلى الفرح أثناء فترات الاستراحة النادرة التي تتخلل منعطفات الحياة، فكيف إذا كان الفرح بإتمام طاعة!!.؟

والفرح فضيلة من فضائل النفس البشرية، كما قال أفلاطون، فهو يرى أن الفرح أو السعادة، فضيلة من فضائل النفس البشرية، مثلها مثل الكرم والشجاعة وغيرها من فضائل النفوس. 

أما الفيلسوف أرسطو، فيرى الفرح، نعمة من النعم التي خص الله بها الإنسان، وميّزه بها عن باقي المخلوقات.

ومن أجمل ماقيل عن الفرح، قول أحد الحكماء:

"إذا أراد الإنسان أن يشعر بالبهجة والاستقرار والسكينة، فعليه أن يتمسك بالتفاؤل والفرح، وألّا يسمح لأيّ شيء بهزيمته، لهذا يميل المؤمن إلى التفاؤل دائماً، أما الذي يحمل في قلبه إيمانًا ضعيفاً فيميل إلى التشاؤم لأنه لا يُحسن الظن بالله تعالى."

 

‏قال أبو سليمان الدَّاراني رحمه الله: 

إذا أردتَ أن ينقطع عنك الوسواس، فأيُّ وقت أحسستَ به فافرح، فإنَّك إذا فرحتَ به انقطع عنك، لأنَّه ليس شيءٌ أبغض إلى الشَّيطان من سرور المؤمن، وإن اغتممتَ به زادك.

 

وإنني هنا أذكّر نفسي ومن يقرأ، بأهمية الفرح لاسيما في ليلة العيد ويوم العيد، وألّا نسمح للواعج الذكرى، ونوبات الحنين للماضي، وما فيه، ومن كان فيه، ممن يعز علينا أن نفرح رغم رحيلهم عنا، فهم قد فرحوا بنا ومعنا رغم من فارقوهم، ولكن ذلك لم يمنعهم أن يفرحوا ويفرحوننا، ومن فرحهم أنهم ابتكروا لنا عبارات فرح لاتزال خالدة في ذاكرتنا، وليست عبارة:

              "كبير كُبْرَ العيد"

 إلا واحدة من عشرات إن لم تكن مئات العبارات التي تقال في العيد.

ثم ماذنب أطفالك ومن حولك في أن تحرمهم من مباهج العيد وأفراحه، كون العيد ذكّرك بمن رحلوا؟

وهل حزنك على من رحل سوف يعيده؟

ألم تقرأ ما قاله المتنبّي:

فَما يَدومُ سُرورٌ ما سُرِرتَ بِهِ

وَلا يَرُدُّ عَلَيكَ الفائِتَ الحَزَنُ.

 

MelhiSharahili@gmail.com