المقالات

ماهو الجمال؟!؟

ماهو الجمال؟!؟

✍️ ملهي شراحيلي

يُحكى أن أحد ملوك الرومان القدماء، أمر بإقامة مسابقة للجَمَال، بين الحيوانات، وطلب أن تتقدم الحيوانات ذات الجمال لتستعرض جمالها، على أن يتم إعلان الحيوان الفائز بالمسابقة واعطائه جائزة فى نهاية اليوم.

 

بدأت الحيوانات بالفعل فى المرور واحداً تلو الآخر أمام الحاكم تختال بجمالها، فمرّ الغزال وصغيره، والطاووس يتباهى بجماله هو وابنه، ثم جاءت الزرافة وصغيرها، والأسد وأشباله، وقبيل انتهاء وقت المسابقة، وقبل إعلان الفائز بالجائزة فوجىء الحاكم بقردة تجرى أمامه مستعرضةً جمال ابنها!!

 حاول الجميع إقناعها بأن ابنها ليس جميلاً كبقية المشاركين فى المسابقة، لكنها رفضت الانسحاب من المسابقة !!، بل وأصرت أن ابنها أجمل من كل الحيوانات التى مرّت أمام الحاكم.

 حينها ضحك الحاكم، وقال:

 "اتركوها...فالقرد فى عين أمّه غزال".

 

من هذه القصة نستشف أن الجمال شيء نسبي، فما أراه أنا جميلاً، قد لا تراه أنت كذلك، والعكس صحيح. 

فمقاييس الجمال تختلف من شخص لآخر، ولن تجد شخصين أو أكثر يتفقون على درجة واحدة في حكمهم بالجمال على شخص أو أمر. 

ولكي أثبت لك ذلك أرسل هذا المقال لثلاثة أشخاص من أصدقائك، وأطلب منهم أن يقييموا جماله بدرجة من ٠ إلى ١٠، مع العلم أن ١٠ تعني جميل جدا، ثم أنظر في تقييمهم.

ومن النوادر التي تدل على نسبية الجمال، قال عبد الملك بن مروان، لليلى الأخيليةِ بعد أن تقدم بها العمر: ما رأى منك توبة حتى عشقك؟ فقالت: ما رأى الناس منك حتى جعلوك خليفة.

 

 

لكن هل لاحظت أخي القارئ الكريم، أن الكلام عن الجمال فيما سبق، يدور حول نظرتنا وبالتالي حكمنا على الآخرين ممن حولنا، فماذا عن نظرتنا لأنفسنا؟!؟

بعبارة أخرى: هل يوجد شخص يرى نفسه جميل، وآخر يرى نفسه قبيح؟

في حقيقة الأمر أن الكثير من البشر لايستطيعون وصف أنفسهم، وإنما يحكمون على جمالهم من خلال ما يسمعونه من الآخرين عنهم، فإذا ما قيل عنه جميل فإنه يصدق ولو كان قبيحاً، والأدهى من هذا أنه ربما استقبح نفسه وإن كان جميلاً لأن شخصاً ما وصفه بالقبح. 

إن تهافت الشباب والفتيات على أدوات التجميل وعمليات التجميل، ليس سوى مؤشر على الضبابية التي تسيطر عليهم حول جمالهم. 

والحال كذلك مع الذين يرتادون الصالات الرياضية بغرض نحت وإعادة بناء أجسامهم، وكأنهم يقولون أننا نحتاج إلى تجميل أجسامنا حتى يقال عنا أننا نتمتع بقدر من الجمال!.

إن الجمال الحقيقي لا يقتصر على حسن الصورة، وتقاسيم الجسد، وإن الذين يحكمون على أنفسهم أو على الآخرين من هذا المنظور الضيق لهم أبعد مايكونون عن معرفة الجمال. 

إن الجمال صفة تُلحظ في الأشياء وتبعث في النُّفوس سروراً أو إحساساً بالانتظام والتّناغم، وهو أحد المفاهيم الثلاثة التي تُنسب إليها أحكام القيم: الجمال والحقّ والخير.

 

والجمال لا يتأتى بالمظاهر سواءً في بالمساحيق أو عمليات التجميل، ولا في اللبس الفاخر وغيرها من أوهام المتوهمين الباحثين عن الجمال. 

قال الشاعر المخضرم، عمرو بن معد يكرب:

ليس الجمالُ بمئزرٍ

فاعلم وإن رُدِّيتَ بُردا

إِنّ الجمالَ معادنٌ

وَمَنَاقبٌ أَورَثنَ مَجدا.

وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه:

 لَيسَ الجَمالُ بِأَثوابٍ تُزَيِّنُنا

إِنَّ الجَمالَ جَمالُ العَقلِ وَالأَدَبِ.

وقال الشاعر العبّاسي، أبو الطيّب المتنبّي:

وَما الحُسنُ في وَجهِ الفَتى شَرَفاً لَهُ

إِذا لَم يَكُن في فِعلِهِ وَالخَلائِقِ

وَما بَلَدُ الإِنسانِ غَيرُ المُوافِقِ

وَلا أَهلُهُ الأَدنَونَ غَيرُ الأَصادِقِ

وَجائِزَةٌ دَعوى المَحَبَّةِ وَالهَوى

وَإِن كانَ لا يَخفى كَلامُ المُنافِقِ.

وله أيضاً :

لَيسَ الجَمالُ لِوَجهٍ صَحَّ مارِنُهُ

أَنفُ العَزيزِ بِقَطعِ العِزِّ يُجتَدَعُ.

 

وفي الحديث، أنَّ رجلًا جميلًا أتَى النَّبيَّ فقالَ : إنِّي أحبُّ الجمالَ و قد أُعطيتُ مِنهُ ما تَرى حتَّى ما أحبُّ أن يفوقَني أحدٌ بشِراكِ نعلٍ أفَمنَ الكبرِ ذلِكَ يا رسولَ اللهِ قالَ : لا . ولَكِنَّ الكِبرَ بَطَرُ الحقِّ وغمصُ النَّاسِ.

وقال صلى الله عليه وسلم:

لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ. فقالَ رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا ونَعْلُهُ حَسَنَةً.

فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وغَمْطُ النَّاسِ.

وفي فتح الباري، لابن رجب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ سُئِلَ عنِ الرَّجُلِ يحبُّ أن يكونَ ثَوبُه حسَنًا ونعْلُهُ حسَنًا ؟ فقال : ليسَ ذلكَ مِنَ الكِبْرِ ، إنَّ اللَّهَ جميلٌ يحبُّ الجمالَ.

وفي الحديث:

إِنَّ اللهَ لا ينظرُ إلى أَجْسامِكُمْ، ولا إلى صُورِكُمْ، ولكنْ ينظرُ إلى قُلوبِكُمْ.

وفي رواية:

إنَّ اللهَ لا ينظرُ إلى صُوَرِكم ولا إلى ألوانِكم ولكنْ ينظرُ إلى قلوبِكم وأعمالِكُم.

وعندما وصف الله سبحانه وتعالى، نبيه محمد صلى الله عليه، قال تعالى:

{وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ}

وإن كانت خِلقته صلى الله عليه وسلم، لاتقل عَظَمَةً عن أخلاقه، ولكن الله وصف خُلقه، ولم يصف خِلقته.

‏يقول حسّان بن ثابت، رضي الله عنه، في مدح الرسول ﷺ:

وَأَحسَنُ مِنكَ لَم تَرَ قَطُّ عَيني

وَأَجمَلُ مِنكَ لَم تَلِدِ النِساءُ

خُلِقتَ مُبَرَّءً مِن كُلِّ عَيبٍ

كَأَنَّكَ قَد خُلِقتَ كَما تَشاءُ.

فالجمال يكون في الصورة وتركيب الخلقة، ويكون في الأخلاق الباطنة، ويكون في الأفعال.

 فأما جمال الخِلقة فهو أمر يُدركه البصر ويلقيه إلى القـلب متـلائما، فتتعلق به النفس من غير معرفة بوجه ذلك ولا نسبته لأحد من البشر.

فإذا ما كانت النفس جميلةً، والروح طيّبةً، انعكس ذلك على الجسد، وإذا كانت النفس خبيثة، والروح فاجرة، انعكس ذلك على الجسد أيضاً.

فكل إناء بالذي فيه ينضح، كما قال الشاعر الأيوبي، الحيص بيص:

مَلكْنا فكان العَفْو منَّا سَجيَّةً

فلمَّا ملكْتُمْ سالَ بالدَّمِ أبْطَحُ

وحَلَّلْتُمُ قتلَ الأسارى وطالَما

غَدوْنا عن الأسْرى نَعفُّ ونصفَح

فحسْبُكُمُ هذا التَّفاوتُ بيْنَنا

وكلُّ إِناءٍ بالذي فيهِ يَنْضَحُ.

وقد قيل: مامن عيب في الخِلقة، إلا بسبب عيب، في الخُلق.

 

إن سر الجمال يكمن في الرضا عن ذواتنا، وأن الصورة التي نحن عليها، هي من صنع الله واختياره لنا وهي ليست سوى إمتحان لنا، لكي نرضى بما اختاره سبحانه وتعالى لنا.

ويكفينا أننا صنع الله الذي خلقنا في أحسن تقويم.

وفي الحديث: فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط.

 

فإذا كان الإنسان راضٍ بنصيبه من الجمال، وراضٍ عن نفسه، فلن يرى فيها إلا الجمال، حتى وإن عُمّي عن الآخرين.

وكذلك الحال مع الآخرين، فالشخص الذي راضٍ عنك لن يرى فيك إلا ماهو جميل.

وكما قال الإمام الشافعي، رحمه الله:

وَعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ

وَلَكِنَّ عَينَ السُخطِ تُبدي المَساوِيا.