المقالات

الشتاء عند الشعراء والأُدباء والأطباء 

الشتاء عند الشعراء والأُدباء والأطباء 

✍️ ملهي شراحيلي

لطالما ألهم الشتاءُ جهابذة الشعراء، وأوقد برده قرائح المفكرون والأُدباء، فجادت مآقيهم، وسالت محابرهم، مسطّرةً أعذب القصائد وأروع الحِكم التي ما كانت لترى النور لولا ليالي الشتاء القارصة، وأيامه العابسة.

 فهاهو الشاعر الأندلسي، إبن خاتمة، يقول:

جاءَ الشِّتاءُ بِغَيْمِهِ مُتَحَجِّبا

أهلاً بِسُلْطانِ الفُصُولِ ومَرْحَبا

أعْظِمْ بِهِ مَلِكاً عَلَيْهِ مَهابَةٌ

عَمَّتْ كتائِبُهُ الأباطِحَ والرُّبا

فَصْلٌ تَوزَّعَ كُلُّ فَصْلٍ فَضْلَهُ

فَنَما وآنقَ حُسْنُهُ أو أخْصَبا

ويقول الشاعر المملوكي، الباخرزي:

لبسَ الشتاءُ منّ الجليدِ جُلودا

فَالبسْ فقدْ بَردَ الزمانُ بُرودا

كم مؤمنٍ قرَصتْهُ أظفارُ الشِّتا

فَغَدا لسكّانِ الجَحيمِ حَسودا

وتَرى طيورَ الماءِ في وكُناتِها

تختارُ حرَّ النارِ والسّفّودا

وإذا رمَيْتَ بفضلِ كأسكَ في الهوّا

عادَتْ عليكَ من العّقيقِ عُقودا

يا صاحِبَ العُوديْنِ لا تُهْمِلهما

حَرِّك لنا عوداً وحَرِّقْ عُودا.

ولأن الشعراء أكثر شعوراً وإحساساً من غيرهم، نظراً لما يمتازون به من رقة المشاعر والإحساس المرهف، فإن الشتاء يؤجج مشاعرهم، ويوقظ ضمائرهم تجاه الآخرين، لاسيما في ظل ظروف الشتاء الصعبة، وهنا تطغى المشاعر الإنسانية، في إحدى روائع شاعر الإنسانية، أبو العلاء المعرّي، فيقول:

لَقَد جاءَنا هَذا الشِتاءُ وَتَحتَهُ

فَقيرٌ مُعَرّى أَو أَميرٌ مُدَوَّجُ

وَقَد يُرزَقُ المَجدودُ أَقواتَ أُمَّةٍ

وَيُحرَمُ قوتاً واحِدٌ وَهوَ أَحوَجُ

وَلَو كانَت الدُنِّيا عَروساً وَجَدتُها

بِما قَتَلَت أَزواجَها لا تُزَوَّجُ.

أما شاعر الحكمة، أبو العتاهية، فيقول:

كَم يَكونُ الشِتاءُ ثُمَّ المَصيفُ

وَرَبيعٌ يَمضي وَيَأتي الخَريفُ

وَاِنتِقالٌ مِنَ الحَرورِ إِلى الظِل

لِ وَسَهمُ الرَدى عَلَيكَ مُنيفُ

يا عَليلَ البَقاءِ في هَذِهِ الدُن

يا إِلى كَم يَغُرُّكَ التَسويفُ

عَجَباً لِاِمرِئٍ يَذِلُّ لِمَخلو

قٍ وَيَكفيهِ كُلَّ يَومٍ رَغيفُ.

 

وبما أن الشعراء كغيرهم من البشر، منهم الغني ومنهم الفقير، فنجد في قصائد بعضهم معاناته في الشتاء، كما يقول الشاعر العثماني، إبن عنين:

جاءَ الشِتاءُ وَلَيسَ عِندي فَروَةٌ

وَالقُرُّ خَصمٌ لا يُرَدُّ وَيُدفَعُ

وَإِذا الشِتاءُ أَتى وَما لِيَ فَروَةٌ

أَلفَيتَ كُلَّ تَميمَةٍ لا تَنفَعُ.

وعلى النقيض من إبن عنين، الفقير، نرى الشاعر الميسر ابن سكرة، وهو أحد شعراء العصر العبّاسي، يقول:

جاء الشتاء وعندي من حوائجه

سبع إذا القطر عن حاجاتنا حبسا

كن وكيس وكانون وكاس طلا

بعد الكباب و(...) ناعم وكسا.

ويرى آخرون في ليالي الشتاء الباردة، صوراً جمالية قد لايراها غيرهم، كما يقول أحدهم:

ليل الشتاء يشبه مواعيد الأحباب

يا طول ليله والدقايق ثقيله

يلي عليك القلب مغرم ومنصاب 

 في غيبتك كل الليالي طويله

ويقول آخر:

البــرد مـا هـو رجفــة يـديـن وعظــام

 البــرد بــرد الـروح لآ غــآب غــإليــك

 تبكــي تحــس القلــب بـالحيــل منظــام

 والعيــن تفضــح لـا ذكــرت مــاضيــك

 الجــرح يكبــر كــل عام ورآ عــام 

وإن جــرّب النسيــآن يشقيــه طآريــك

 أرســل رســايــل كلهــا شــوق وهيـام

 يـاللــه عساك تحــس فـي قلــب شـآريــك

 إذبــح فـؤادي فــي وصـالـك ولا دام

 لآ دآم وصلــك لـا ولـا قلــب راجيــك.

 

والشتاء عند الأدباء والمفكرون، لايقل أهمية عنه، لدى الشعراء، فقد قال فيودور دوستويفسكي: الشتاء بارد على من لا يملكون الذكريات الدافئة. 

وقال أنطون تشيخوف: إن الذي لا ينتبه إن كان الفصل صيفاً أو شتاءً فهو شخص سعيد. 

وقال تريستان تزارا: ثمة بستان شتاء قاسٍ في ماضيك لا يعرف أن يمضي ولا أن يعود.

 

أما الأطباء فإنهم ينظرون إلى الشتاء من زاوية أخرى، فهم يرون في الشتاء ثورة الأمراض، وانتشار الأوبئة والميكروبات!!.

والحقيقة أن نظرتهم هذه نظرة واقعية، ففي فصل الشتاء، خاصة في البلدان البعيدة عن خط الاستواء، والمناطق الجبلية، حيث تنخفض درجات الحرارة بشكل حاد، وتهب الرياح الشمالية شديدة البرودة، مما يجبر الناس على البقاء في منازلهم لأطول فترة ممكنة، وإحكام إغلاق البيوت لمنع دخول البرودة، مما يتسبب في توفير بيئة مناسبة لتكاثر وانتشار الفيروسات، وفي ذات الوقت تقل وربما تنعدم الأطعمة والمأكولات، مما يتسبب في نقص المناعة، وبالتالي ظهور الأمراض.

والبرد بحد ذاته كفيل بإحداث إصابة مباشرة للإنسان، كما يحدث في عضة البرد.

ومما لايخفى على القارئ الكريم، أن عضة البرد ماهي إلا إصابة ناتجة عن تعرض أجزاء من الجسم لدرجات حرارة شديدة البرودة.

والمناطق الأكثر شيوعاً للإصابة هي: الرأس، الوجه، الأذنان، اليدان، القدمان.

يمكن أن تسبب تلفاً دائماً للأنسجة؛ حيث قد تؤدي إلى بتر الأطراف.

وقد يتم علاجها بالعمليات الجراحية في الحالات المتقدمة.

والفئات الأكثر عرضة للإصابة هم:

الجنود، والعاملون في الهواء الطلق، والأشخاص الذين بلا مأوى.

والأطفال، وكبار السن.

وعشاق الرياضة في الهواء الطلق (مثل: المتزلجين والمتسلقين).

وعضة البرد، وتسمى أيضاً عضة الصقيع - التثليج - لسعة الصقيع - قرصة الصقيع.

وهي الإصابة التي تنتج عن تعرض أجزاء من الجسم لدرجات حرارة المنخفضة الشديدة (التجمد)، حيث يؤدي إلى تلف الجلد والأنسجة، وفقدان الشعور، وتغير لون المنطقة المتضررة، ويمكن أن تؤثر في أي جزء من أجزاء الجسم بما في ذلك الأنف، والأذن، والخدان، والشفتان؛ لكن أصابع اليدين والقدمين هي الأكثر شيوعًا للضرر.

وأعراض عضة البرد:

بسبب خدر الجلد قد لا يدرك الشخص الإصابة بها حتى يشير بها شخص آخر خاصة في المناطق التالية: الأصابع، القدمان، الأنف، الأذنان، الخدان، الذقن، حيث تتم ملاحظة، ظهور احمرار والشعور بوخز وخدر.

برودة المنطقة المصابة.

قساوة المنطقة المصابة (الجلد الصلب أو شمعي المظهر).

خفقان أو ألم في المنطقة المصابة.

شحوب الجلد وتلونه بالأبيض.

اللدغة والحرق والتورم.

فقدان الإحساس والألم أو عدم الراحة في المنطقة المصابة، بالإضافة إلى ظهور التقرحات بعد تدفئة المنطقة تكون في الحالات الشديدة والمتقدمة.

وقد ينتج عن عضة البرد مضاعفات، منها:

العدوى، مثل الكزاز (التيتانوس)

انخفاض حرارة الجسم.

تلف الأعصاب.

البتر.

وتنتشر بعض المفاهيم الخاطئة، عن عضة البرد، إذ يعتقد البعض أن فرك أو تدليك المنطقة المصابة يساعد على تدفئتها.

الحقيقة: أن الاحتكاك الناتج عن الفرك أو التدليك قد يسبب تلف الأنسجة.

وللوقاية من عضة البرد يجب التقليل من الخروج في أثناء الظروف الجوية الباردة.

وتجنب الجلوس لفترة طويلة في الطقس البارد.

وارتداء الملابس الدافئة المناسبة.

والحرص على ارتداء القفازات وتغطية الرأس، والأذنين، والرقبة.

وارتداء جوارب مبطنة والتي تلائم القدم بشكل جيد.

وتغيير الملابس الرطبة في أقرب وقت ممكن.

والمحافظة على شرب الماء والسوائل.

تناول وجبات متوازنة جيدًا للحفاظ على رطوبة الجسم.

وممارسة النشاط البدني للمساعدة على البقاء بشكل دافئ.

ومن أهم الإجراءات عند الإصابة بعضة البرد:

الابتعاد عن المنطقة الباردة والدخول إلى مكان دافئ.

عدم القيام بتدفئة الجلد المجمَّد بالحرارة المباشرة (مثل: الموقد، المصباح الحراري أو المدفأة).

عدم المشي على الأقدام أو الأصابع المجمَّدة.

تجنب غمر المنطقة المصابة بالماء الساخن.

عدم حك المنطقة المصابة، أو اللعب بالفقاعات التي تشكلت عليها.

عدم القيام بتدليك المنطقة المصابة بغرض تدفئتها.

قال الشاعر المخضرم، عمرو الباهلي:

كُسِعَ الشِتاءُ بِسَبعَةٍ غُبرِ

أَيّامَ شُهلَتِنا مِنَ الشَهرِ

فَإِذا اِنقَضَت أَيّامُها وَمَضَت

صِنُّ وَصِنَّبرٌ مَعَ الوَبرِ.