المقالات

حظوظ "السمراء" في عالم متعدد الأقطاب 

حظوظ "السمراء" في عالم متعدد الأقطاب 

 

 ✍️ الكاتب ملهي شراحيلي

 

لطالما حظيت قارة إفريقيا بلقب القارة السمراء، بحجة أن لون بشرة سكانها تميل إلى السُمرة، غير أن هذا السّمار يتعدى لون الأرض والإنسان في إفريقيا، ليشمل جل جوانب الحياة الأفريقية.

إن السواد الحقيقي (السمار) الذي يخيم على إفريقيا، الجهل المتفشي، والأمية، ومانتج عنها وبسببها من نزاعات عرقية وحروب طائفية جعلتها رماداً تذروه الرياح.

ولذلك فإن حظوظ إفريقيا في الفترة القادمة لن تكون بأحسن مما مضى من تاريخها الأسود، الممزوج بالأمراض والأوبئة، ناهيك عن النزاعات المسلحة والحروب. 

لقد عاشت إفريقيا أحقاباً في دهاليز الإستعمار الغربي، ولاتزال أكثر بلدانها تأن تحت وطأة التبعية السياسية للغرب، ولم تتخلص من تجارة الرق إلى يومنا هذا، ولاتزال تستجدي دول العالم اقتصادياً، رغم ما تزخر به من خيرات وموارد وايدي عاملة.

لقد غابت إفريقيا أو بالأصح غُيّبت، عن المحافل الدولية، والمنظمات العالمية، السياسية منها والاقتصادية، وما ذلك إلا بسبب انتشار الجهل فيها والأمية، التي استغلها الغرب، فسلّط بعضهم على بعض، من خلال تمكين حكومات فاسدة، واشعال الصراعات، لنهب وسرقة ثرواتها تحت مسميات مختلفة.

إن السمة البارزة، والتي تكاد تطغى على دول إفريقيا، ليست الفقر والأمية فحسب، بل الانقلابات العسكرية، والحروب الأهلية، مما تسبب في انعدام الأمن والاستقرار، وعزوف المستثمرين ورجال المال والأعمال عنها، مع أنني أعتقد جازماً أن هذا يرجع أساساً إلى الأمية والجهل من جهة، ومن جهة أخرى إلى استغلال المستعمر الغربي لهذا الجهل لدى الشعوب والحكومات الأفريقية.

ورغم الماضي الأسود، والواقع المرير الذي تعيشه السمراء، إلا أنه لايزال في نهاية النفق نور، لاسيما في ظل الظروف العالمية الحالية، والتي نشأت بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، ومانتج عنها من بروز للجناح الشرقي ممثلاً بروسيا والصين. وإذا ما تسألت أخي القارئ الكريم:

أين كانت الصين وروسيا مما يجري في إفريقيا؟

ولماذا تأخرت الاستثمارات الصينية والروسية في إفريقيا؟

فالجواب بكل بساطة، أن روسيا والصين كانتا ولا تزالان أحد أركان النظام العالمي الذي تشكّل بعد الحرب العالمية الثانية، وهما شريكان للغرب في نهب ثروات إفريقيا، وكانت الفائدة التي تجنيها الصين وروسيا من إفريقيا لاتقل عن الفوائد الغربية، ومما لايخفى على حصيف أن النزاع الغربي الشرقي الحاصل حالياً ليس إلا بسبب تقاسم تلك الثروات.

لقد استخدم الغرب ( ولا يزال) سلاح العقوبات الاقتصادية ضد العديد من دول العالم، ولم تكن روسيا والصين، تعارض ذلك، ولكن عندما بدأ الغرب ممثلاً في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، بإستخدام العقوبات الاقتصادية ضد روسيا والصين، قامت الأخيرة بالتمرد على تلك العقوبات من خلال فتح منافذ اقتصادية لها، ولذا كانت إفريقيا هي الوجهة الأولى نظرا لما تعانيه من تشرذم سياسي وعوَز اقتصادي. 

فاليوم مثلاً تتواصل بمدينة سانت بطرسبورغ بـ روسيا أعمال القمة الثانية "روسيا-افريقيا" ومنتداها الاقتصادي والإنساني.

هذه القمة الروسية الأفريقية التي انطلقت في بطرسبورغ يوم 26 وسوف تستمرحتى 29 يوليو/ تموز الحالي، تعتبر حدثاً رئيسياً وكبيراً في العلاقات بين روسيا وأفريقيا. وتهدف إلى تحقيق مستوى جديد نوعياً للشراكة المتبادلة المنفعة، لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين.

وتهدف إلى تعزيز التعاون الشامل والمتساوي بين روسيا ودول أفريقيا في الجوانب السياسية والأمنية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والثقافية والإنسانية.

سيكون المنتدى الاقتصادي الذي سيعقد في إطار القمة الروسية الأفريقية الثانية حدثًا فريدًا من نوعه في العلاقات بين روسيا والقارة الأفريقية، وسيهدف لتنويع أشكال ومجالات التعاون بين روسيا وأفريقيا وتحديد مسار هذه العلاقات على المدى الطويل.

يُذكر أن القمة الروسية - الأفريقية الأولى عُقدت في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019، في مدينة سوتشي الروسية.

بعد هذه القمة، سوف تستضيف جنوب إفريقيا، قمة "بريكس"، وقد قامت دولة جنوب أفريقيا بدعوة جميع الدول الأفريقية البالغ عددها ٥٤ دولة، بالإضافة إلى الدول التي أعربت عن اهتمامها بالإنضمام إلى دول “بريكس”، مثل المملكة العربية السعودية، والإمارات، والأرجنتين، وإيران ودول أخرى”.

بالإضافة إلى قادة الصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا سيحضرون قمة “بريكس”، التي ستعقد في جوهانسبورغ من 22 إلى 24 أغسطس، في حين سيقود وزير الخارجية، سيرغي لافروف، الوفد الروسي في القمة.

ورغم عدم حضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، القمة، شخصياً إلا أنه سوف يكون حاضراً افتراضياً.

وتجمع “بريكس” بين البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، حيث تنوي عدد من الدول الأخرى الانضمام إلى الاتحاد الاقتصادي، بما في ذلك الأرجنتين وإيران، فضلاً عن المملكة العربية السعودية، وإندونيسيا وتركيا ومصر. وترأس جنوب إفريقيا حالياً الاتحاد، فيما ستنتقل الرئاسة إلى روسيا في عام 2024.

هذا الحراك السياسي والدبلوماسي لإفريقيا، مع أنه يمهد لظهور عالم متعدد الأقطاب، إلا أنه لن يمر مرور الكرام من قبل الغرب، وسوف تكون العقوبات الاقتصادية مسلّطة على دول إفريقيا نظرا لانفتاحها على روسيا والصين، وبالتالي فلا غرابة إذا ما رأينا تغييرات حكومية على شكل انقلابات مدنية وعسكرية وربما صدامات مسلحة في أكثر من دولة إفريقية كما حصل مؤخراً في النيجر، وما يُوشك أن يحدث بين راوندا والكونغو، وماهو حاصل في السودان، ناهيك عن نشاط الحركات المسلحة في عدد من دول إفريقيا.

إن تقاطع المصالح الروسية الصينية مع المصالح الأمريكية والأوروبية في إفريقيا، ليس سوى صراع اقتصادي على الثروات والمعادن التي تزخر بها "السمراء" حتى وإن كان ظاهره تعاون شامل ومتساوي.

وبالتالي فإن حظوظ السمراء في عالم متعدد الأقطاب، لن يكون أحسن من حظوظها فيما مضى، لاسيما في المنظور القريب وخلال العقود القادمة.

وكما قال الشاعر الأيوبي، ابن سناء الملك:

سمراءُ إِلاَّ رقةَ الأَسْمَرِ

ودَعْ ذُبُولاً لاحَ في السَّمْهَرِي

نشيطةُ العِطْفِ إِذا ما انْثَنَتْ

وإن رَنَتْ فاتنةُ المحْجَرِ

(كالزَّهْرةِ الغرَّاءِ لكنها

ما نظرتْ قطُّ إِلى المُشْتَرِي)

والحسن شخصٌ لم يَزَلْ قائماً

في وجْهِهَا المنتقبِ المُسْفِر

تُرِيكَ إِذ تَبْسِمُ عن خَفْرةٍ

من ثغرِها مَنْطَقَتَيْ جَوْهَر.