المقالات

وداعاً أبا سيلا 

وداعاً أبا سيلا 

 ✍️ ملهي شراحيلي

وداعاً أيها الشهمُ الوفيُّ 

فكم بالبين قد فيدِ الأبيُّ

أودّعك الغداةَ ودمع عيني

يكاد لجريه يجري الصبيُّ

كأن دموع عيني يوم بيني عن

رؤياك نوءٌ عقربي

كأن مجالها في الخد جارٌ

بها يحدد مسترّ بيّ

وعند وداع من تهوى لعُمري

ووشكَ البينُ ينكشف الغبيّ

كأن زناد نار في فؤادي

له لهبٌ وبالأحشا وري.

وداعاً أبا سيلا، وإن كان الوداع لايستساغ، والم الفراق مُرٌ لايطاق.

ولا نقول إلا ما يرضي ربنا: حسبنا الله ونعم الوكيل، إنا لله وإنا إليه راجعون. 

 فلا تستطيع الكلمات أن تصف مصابنا، ولا يمكن للعبارات أن تترجم فاجعتنا، برحيل من كان أكثر من أخ، وأعز من صديق وأكبر من زميل.

رحل أبو سيلا، فسالتْ المُهج، وذابت الأفئدة، واكتوت القلوب، واهتزت الأرجاء، وتداعى الصحب والأخلاء، مرددين حسبنا الله ونعم الوكيل، إنا لله وإنا إليه راجعون. 

موقنين أن هذا مصيرنا جميعاً، ومسلّمين أمرنا لمن بيده الأمر كله علانيته وسره، محتسبين مصيبتنا عنده سبحانه.

وكما قال أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه:

المَوتُ لا وَالِداً يُبقي وَلا وَلَداً

هَذا السَبيلُ إِلى أَن لا تَرى أَحَدا

كانَ النَبِيُّ وَلَم يَخلُد لِأُمَّتِهِ

لَو خَلَّدَ اللَهُ خَلقاً قَبلَهُ خَلَدا

لِلمَوتِ فينا سِهامٌ غَيرُ خاطِئَةٍ

مَن فاتَهُ اليَومَ سَهمٌ لَم يَفُتهُ غَدا.

رحل أبو سيلا، وتركنا حيارى، وعزاؤنا أن الله أختاره لحكمة، والله وحده من حدد وقت رحيله، وهو القادر أن يجبر مصابنا برحمته، ويتقبله بواسع مغفرته. 

رحل أبو سيلا، وتالا، وترك لنا ذكرى طيبة، بباتسامته المشرقة، التي لاتكاد تغيب عن محيّاه الأغر، وإن غاب عن أبصارنا، فلن تغيب صورته عن بصائرنا، ولأن غاب عن دنيانا فلن تغيب أفعاله ولمساته عن ذاكرتنا.

رحل عبدالمجيد عكور، فجأة، وهذه طبيعة الطيبين، وميزة المحترمين، وديدن الذين لايكلّفون ولا يتكلّفون.

عرفتُه منذ أربع سنوات تقريباً، وخدمتُ تحت إدارته سنة ونيف، ومع أنني كنت أكبر منه سنّاً، إلا أنني وجدت نفسي عنده أقل علماً، وأصغر خبرةً.

لم يكن متواضعاً فحسب، بل كان في التواضع مرجعاً، وللمكارم مجمَعاً، وللإدارة مصنعاً، وللقيادة مَنبعا.

طيلة فترة عملي تحت إدارته، لم أسمع له في يومٍ من الأيام، صوتاً مرتفعاً، سواءً كان معاتباً، أو موجهاً، ولم أشاهد على ملامحه سوى إبتسامة في كل المواقف والأحداث، مع أنه من الطبيعي جداً في أي موقع عمل، ولا سيما من يتبوأ القيادة، لابد من منغصات، ولا يخلو عمل من أخطاء، ولا بد أن تحدث معوقات، ومن الطبيعي أن توجد تحديات، إلا أن عبدالمجيد، كان في كل المواقف يقف مبتسماً، يوجّه، بابتسامة، يعاتب بابتسامة، وكأنه يعلم أن ابتسامته تلك هي التي تُجبر الآخرين على احترامه، ولا أشك مطلقاً أنه مات مبتسماً، وأنا على يقين أن الجمع الغفير الذي حضر الصلاة عليه، ومواراته الثرى، ما دعاهم للحضور إلا ابتسامته التي أسرت القلوب، وأسكنته قلوب الناس.

رحل أبو سيلا، وكلّنا راحلون، وعزاؤنا أن هذا مصيرنا جميعاً، وليس لنا سوى الصبر واحتساب الأجر. 

اِصبِر لِكُلِّ مُصيبَةٍ وَتَجَلَّدِ

وَاِعلَم بِأَنَّ المَرءَ غَيرُ مُخَلَّدِ

أَوَما تَرى أَنَّ المَصائِبَ جَمَّةٌ

وَتَرى المَنِيَّةَ لِلعِبادِ بِمَرصَدِ

مَن لَم يُصِب مِمَّن تَرى بِمُصيبَةٍ

هَذا سَبيلٌ لَستَ فيهِ بِأَوحَدِ

وَإِذا ذَكَرتَ مُحَمَّداً وَمَصابَهُ

فَاِذكُر مُصابَكَ بِالنَبِيِّ مُحَمَّدِ.

خالص العزاء وصادق الموساة لأسرته وأهل بيته وأصدقائه ومحبّيه، ولكل من حضر الصلاة عليه ودفنه، ولكل من دعا له في ظهر الغيب، ولنا جميعاً.

والله أسأل أن يُكرِم نُزله ويجعل مثواه الجنة، وأن يجبر مصابنا فيه بما هو أهله، وأن يجمعنا به في جنة عرضها السموات والأرض.

ولنا في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسوة حسنة، كما قال حسان بن ثابت:

وَما فَقَدَ الماضونَ مِثلَ مُحَمَّدٍ

وَلا مِثلُهُ حَتّى القِيامَةِ يُفقَدُ

أَعَفَّ وَأَوفى ذِمَّةً بَعدَ ذِمَّةٍ

وَأَقرَبَ مِنهُ نايِلاً لا يُنَكَّدُ

وَأَبذَلَ مِنهُ لِلطَريفِ وَتالِدِ

إِذا ضَنَّ مِعطاءُ بِما كانَ يُتلَدُ

وَأَكرَمَ صيتاً في البُيوتِ إِذا اِنتَمى

وَأَكرَمَ جَدّاً أَبطَحيّاً يُسَوَّدُ.