المقالات

الصيف بين التسمم الغذائي والتسمم الدوائي

الصيف بين التسمم الغذائي والتسمم الدوائي

✍️ ملهي شراحيلي

تنتشر في مواقع التواصل الإجتماعي، هذه الأيام، وتتكرر في مثل هذا الوقت من كل عام، مقولة تُنسب زوراً للرحالة العربي، ابن بطوطة، وهي:

"مررت بِأرضٍ دون أو أسفل البصرة يُقال لها كاظمة – يقصد الكويت‬ - لا يسكنها الجن من شدة حرها ولواهيبها....!!!

وهذه العبارة لم يثبت أن قائلها ابن بطوطة، ولا وجود لها في كتابه عجائب الأسفار، الذي تحدث فيه عن رحلته في الجزيرة العربية. 

وبغض النظر عن حقيقتها ومصدرها، فإن حرارة الصيف، هذه الأيام، ربما تسببت في خروج هذه المقولة.

والحقيقة التي لا جدال عليها أن فصل الصيف في الجزيرة العربية بصفة عامة، والكويت خاصة، أقرب إلى تنور منها إلى ما جاء في تلك العبارة.

أو كما قال الشاعر العبّاسي، الصنوبري:

إن كان في الصيفِ ريحانٌ وفاكهةٌ

فالأَرضُ مستوقَدٌ والجوُّ تَنّورُ

هذا الوصف الأقرب للواقع حقيقةً، يستدعي منا الإنتباه لصحتنا وصحة من حولنا، فالحرارة الشديدة التي نعيشها هذه الأيام، لها آثار سلبية على حياتنا، لاسيما وأن تركيبة أجسامنا لم تعد تحتمل هذه الحرارة، بسبب طبيعة الحياة التي نعيشها في ظل وجود الكهرباء ووسائل النقل المكيفة، واعتمادنا على الأجهزة الكهربائية المنزلية. 

وإذا ما أخذنا في الإعتبار التأثير المباشر للحرارة، وعملنا على تلافي تأثيرها فلا ينبغي أن نغفل عن التأثير غير المباشر لدراجة الحرارة على أهم عنصرين من عناصر الحياة وهما الغذاء والدواء. 

لأن من الطبيعي جداً في هذه الدرجات العالية من حرارة الجو، أن يحدث فساد وتلف للمشروبات والأغذية وبعض أنواع الأدوية، ومن المعروف والشائع حدوثه في فصل الصيف، تلَفُ الأدوية ؛ وهو واحد من مؤديات "التسمم الدوائي" وتلف الأغذية، وهو واحد من مؤديات "التسمم الغذائي" ..

ومن نافلة القول أن ارتفاع درجات الحرارة يؤدي لتغير كيمياء الدواء والغذاء.

والأدوية وأغلب أنواع الأغذية، تحتاج إلى درجات حرارة مناسبة في كل مرحلة من مراحل نقلها، بالإضافة إلى حرارة مناسبه لتخزينها وحفظها.

والسؤال هنا ماذا يحدث إذا ما تعرض الغذاء أو الدواء للتلف بسبب الحرارة؟

نظراً لأن أغلب الأغذية يتم نقلها في درجات حرارة مناسبة، ولكن قد لايظهر عليها أي علامات إذا ما تعرضت لدرجات حرارة أعلى أو أقل، ولكن عند تناولها يحدث ما يعرف طبياً بالتسمم الغذائي، ومن المعروف أن فصل الصيف هو الأعلى انتشاراً لحالات التسمم الغذائي، وهو حالة مرضية شائعة تنتج عادة عن تناول الغذاء الفاسد، والملوث بالكائنات الحية الدقيقة المعدية ( الفيروسية ,البكتيرية أو الطفيلية أو الفطرية ) أو السموم التي تفرزها أثناء المراحل المختلفة لتصنيع أو إنتاج أو نقل أو حفظ الأغذية.

ومع أن معظم حالات التسمم الغذائي متوسطة وتتلاشى أعراضها بشكل تلقائي خلال عدة أيام ودون علاج، بينما تتطلب الحالات المزمنة والشديدة الادخال للمستشفى. 

ويمكن عادة الوقاية من التسمم الغذائي عن طريق المحافظة على نظافة اليدين وتحضير الطعام بطرق سليمة وصحية ونظيفة، مع التأكد من أن الطعام لم يتعرض للتلف أو الفساد أثناء النقل أو في الحفظ والتخزين في المتجر أو المنزل.

وهناك علامات تظهر على الشخص الذي تعرض للتسمم الغذائي، وهي تختلف باختلاف المسبب، فقد تبدأ الظهور في غضون بضع ساعات، وربما تتأخر بضعة أسابيع اعتماداً على السبب.

ومن أهم الأعراض الشائعة للتسمم الغذائي:

اضطراب المعدة.

القيء.

الإسهال.

الإسهال مع وجود دم في البراز.

آلام المعدة أو تقلصات المعدة المؤلمة.

الحُمّى.

الصداع.

وفي بعض الأحيان، يمكن أن يؤثر التسمم الغذائي في الجهاز العصبي ويسبب الإصابة بأعراض عدة. وقد تشمل :

ضبابية الرؤية أو ازدواجها.

الصداع.

فقدان الحركة في الأطراف.

مشكلات في البلع.

إحساس بالوخز أو الخَدَر في الجلد.

الضعف العام والخمول والإرهاق 

تغيرات في طبيعة الصوت.

لذا فإن من مسؤليات الآباء والأمهات ملاحظة ورصد أي علامات قد تظهر على أحد أفراد الأسرة، لاسيما الأطفال وكبار السن. 

والحال كذلك مع الأدوية، خاصة وأن أغلب المنازل لا تخلو من علاجات الأمراض المزمنة، بالإضافة إلى أدوية الأطفال، ونظراً لأن أغلب الأدوية تتحمل التخزين في درجات حرارة أقل من ٣٠ مئوية! 

لذا إذا ما لم يكن ذلك ممكناً، فيجب وضعها في الثلاجة!

مع أن درجة التبريد في الثلاجة ~ ٤-٨ درجات، وهي ليست الأفضل طبياً على الإطلاق!! ولكنها أفضل بكثير من تخزين الأدوية في درجات حرارة أعلى من ٣٠ درجة مئوية.

وكما أن فساد الأغذية، يتسبب في التسمم الغذائي، ففساد الأدوية يتسبب في التسمم الدوائي، وهو لايقل خطورةً عن سابقه، بحسب الهيئة السعودية العامة للغذاء والدواء، فإن من أهم أعراض وعلامات التسمم الغذائي:

• ضيق التنفس، وقد يصل الأمر لحد توقف النَفَس والشعور بالاختناق.

• الشعور بالغثيان والقيء.

• انخفاض ضغط الدم.

• انخفاض درجة حرارة الجسم، والشعور بالبرودة الشديدة.

• التعرق الشديد والهلوسة في بعض الأحيان.

• حدوث بعض التشنجات العضلية، والرعشة.

• تسارع ضربات القلب بشكل ملحوظ.

• تغيرات في التفكير أو السلوك

• اختلال الرؤية مع اتساع العينين.

 

ومن أكثر الأدوية التي يُساء استخدامها وتسبب تسمماً دوائياً:

• الأدوية التي تحتوي على الباراسيتامول، (الفيفادول) والذي يُستخدم كمسكّن للآلام ولا يحتاج إلى وصفة طبية.

وكذلك الأسبرين وهو دواء يقلل من خطر تكون جلطات الدم.

والمسكنات الأفيونية وهي مسكنات ألم قوية لعلاج الآلام الحادة أو المتوسطة مثل الكودايين، والمورفين والهيروين الذي يستخدم غالبا بشكل غير قانوني.

وكذلك حاصرات مستقبلات بيتا والتي تستخدم لعلاج أمراض القلب والأوعية الدموية.

بالإضافة إلى مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات.

ومما يجب العناية به، في فصل الصيف خاصة، وفي سائر الفصول بصفة عامة، الإكثار من السوائل، وأهمها شرب المياه النظيفة، لتجنب الجفاف وما يصاحبه من أعراض، مثل العطش الشديد أو جفاف الفم أو قلة البول أو انقطاعه أو الضعف الشديد أو الدوخة أو الدوار.

ومع ما يحويه الصيف من حرارة شديدة إلا أنه يعتبر من أفضل المناسبات لقضاء أوقات مليئة بالبهجة والسعادة، والاستمتاع بلياليه القصيرة على كثبان الشواطئ، وقمم الجبال. 

وكما قال غازي القصيبي، يرحمه الله:

يرتحل الصيف..فقومي بنا

نسكب في وداعه دمعتينْ

كان كريماً..طيباً..طيباً

أحبنا محبة الوالدين

هيأ في الشمس لنا مقعداً

وفي ظلال الورد أورجوحتين

وصير البحر لنا منزلاً

فنحن ضيفان على موجتين

وحوّل الرمل إلى لؤلؤٍٍ

نبني به قصراً أو قلعتين

ولو لم يكن للصيف من مزايا، إلا ما ذكرها معروف الرصافي، لكفاه، حين قال:

إني لأغفر للمصيف ذنوبه

ولو أن غارة هَيفه شعواء

فالصيف أرأف بالفقير من الشتا

ولذا تحبّ قدومه الفقراء

قلّت به الحاجات فالفقراء في

أيامه والأغنياء سواء

من كان أعوَزه كساءٌ منهم

فالصيف مِلحفةٌ له وكساء

والأرض أن طلبوا الرقاد وطؤهم

من دون منًّ والسماء غطاء

والصيف أحسن ما به لمشاهد

صبح أغرّ وليلة قمراء

ولئن يكن كدَرَ النهار فلَيله

طَلق وفي وجه السماء صفاء

ولئن قسا عند الهجير فريحه

هبّت بحاشيتيه وهي رخاء

وأجلّ ما يرتاد فيه جنينةٌ

ترف الظلال بها ويجري الماء

فعليك فيه بسرحة في منبع

تحنو عليك غصونها الخضراء.