المقالات

العيد وفرصة التجديد

العيد وفرصة التجديد

✍️د. سعود ساطي السويهري

بعد إنقضاء شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار ، وحتى إذا ما تمت المهمة، وتحققت الغاية، جاء يوم الحصاد ألا وهو يوم العيد، الموصوف بالسعيد، يوم البهجة والسرور، يوم الترويح والتنفيس عن الصبر وعن جهد الطاعة، وحصاد الجد والإجتهاد، يوم تعميم السلام، وإستشعار المحبة والوئام، وتكليل الجهود، وقد جعل الله عز وجل العيد عقب الشهر الكريم لضرورة نفسية لها معاني وغايات، فهو يحقق تقارب والتحام نسيج الأمة المتفرقة والقاطعة للأرحام.

إن إظهار السرور لهُوَ شعيرة من شعائر يوم العيد، يوم فرح وسرور، مسموح فيه بالمرح واللعب المباح، وتقديم التهنئة، فيوم العيد هو يوم إعلان المعية والإنتماء فرحا وتهليلا وإقبالا وتجمعا، قال تعالى: " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون". وينبغي في هذا اليوم القضاء على عادات تفشت وتوغلت وهي انقطاع الزيارات والمعايدات والنوم يوم العيد طيلة النهار كسلا وتراخيا، وشعورا بعدم الفرحة والشغف بهذا اليوم كما كان معهودا لدى العهود المنصرمة والماضية، فقد كان للعيد معنى وفرحة لدى الكبير قبل الصغير، ولهذا يجب أن نُعِيد للعيد فرحته، وتحقيق غايته ومقصده، وتعويد النفس فيه على الهدف الرباني، وصلة الأرحام التي انقطعت واندثرت، وتحقيق المقاصد الربانية، واستشعار الجوانب النفسية الإيجابية كالحب والود والسلام، والمشاركة والمعايدة والزيارة، وإظهار روح التقارب والجوار.

وينبغي بث روح يوم العيد في نفوس الأطفال الصغار والكبار، وتعليمهم المقاصد من الأعياد، والمعنى والمغزى من مشروعيته، وعدم تعويدهم على الكسل والتخمة ليلة وصبيحة العيد، فالبعض يفهم الأمور بطريقة خاطئة، وهو أن يوم العيد للنوم والراحة، وها نحن نرى أكثر الناس تنام يوم العيد،

 وكأنه يوم النوم ، ويحدث ذلك نتيجة للعادات الخاطئة والسلوكيات غير الصحيحة كالأكل بكميات ليست هينة في ساعات متأخرة من الليل، والسهر ليلة العيد قبيل الفجر والنوم صبيحته، والأصل الاستيقاظ مبكرا لصلاة الفجر، وصلاة العيد، والعيش في اللحظة الراهنة لهذا التوقيت الذي لا يأتي في العام إلا مرتين، فلا نُحرم الأجر، ولا نُمنع هذه اللحظات الجميلة التي تغمرها الملائكة وترفرف فيها سماء وأرضا،

إن تنفيذ المناسك وتحصيل التقوى حتى في يوم العيد غاية لا حدود لها، فالتقوى وفقا لقول الإمام علي رضي الله عنه "هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل". وقال المولى عز وجل: "ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا إسم الله". والسُنة أن يبادر الناس يوم العيد بإظهار عِظم وقيمة هذه الشعيرة، فقد ذكر شيخ الإسلام إبن تيمية رحمه الله مقولته " الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع، ومِن أظهر ما لها من الشرائع". فهذا اليوم خاص للمسلمين وبالمسلمين، ويجب عليهم أن يحيوا سنته، ويعظموا قدره وشعيرته، وأن يباهوا العالم أجمع بهذا اليوم، وأن يعلنوا فيه وحدتهم وتجمعهم وتواجدهم، واصطفافهم، وتكافلهم لبعضهم.

وأخيراً فإن يوم العيد يوم يبعث على التجديد والفرحة والسرور، وتغيير نمط الحياة المعتادة، وكسر الروتين والرتابة، فكان العيد للتغيير، وإسعاد النفس البشرية التي يصيبها الفتور والتعب والملل والعمل، والإجتهاد وبذل الغالي والنفيس في سبيل العمل والعبادة، فكان لابد من يوم التكريم والترويح، وتوحيد الصف، فإذا جاء هذا اليوم إغتسل المسلمون وتجملوا وتطهروا وتدهنوا بالطيب والروائح الزكية والنفيسة، وكبروا، ونشروا روح الأمل، وطووا صحيفة الألم، وقدموا المعايدات والتهاني بقولهم: تقبل الله منا ومنكم، وقد ثبت ذلك عن الصحابة رضوان الله عليهم، وأمرنا بذلك نبي الرحمة والهادي البشير صلى الله عليه وسلم

وكل عام وأنتم بخير