✍🏼محمد الرياني
صغارًا وكبارًا نحبُّ السماء ، تأسرنا زرقتُها الطاهرة ، نثني رؤوسنا للخلف كي نرى صفاءها أكثر ، قلتُ لها بعيدًا عن الصغار الذي ينظرون إلى السماء : دعينا ننظر إلى السماء أكثر كي نسلبَ من بهائها لونًا لعينينا ، ضحكتْ ببراءة ، قالت لي: إن أمي قد وضعتْ لي الكحلَ في عيني وأنا صغيرة كي تشبه الليلَ وليس الزرقة ، نظرتُ في عينيها فإذا هي أجمل ، لم نغب عن السماءِ وبقينا ننظر إلى السحابِ الذي بدأ يغطي زرقتَها ، اقتربَ الليلُ واسودَّ الفضاءُ قبل أن يحين الليل ، هطلَ المطر ، فتحتْ فاها كيْ تذوقَ القطراتِ الباردةَ القادمةَ من بعيد ، سألتُها : ماطعمُ المطر؟
أغمضتْ عينيها من شدَّةِ الفرح وهي تتلذذُ ماءَ السحاب ، مضى الليلُ والماءُ ينهمرُ ولم أستلذَّ بطعمِ المطرِ بعد ، فتحتُ فمي في الصباح لأذوقَ حلاوةَ الماءِ مع الصباحِ الذي لم يرَ الشمس ، جاءت نحوي تركضُ لتسبقني وتطعمَ القطرَ البارد ، قلتُ لها : ما أجملَ المطر حين يسقط في فمي قبل الأرض ! قالت غلبْتَني هذه المرة ، جلسنا نتنفس أنفاسَ الصباحِ الذي ارتدى لونَ السحاب ، غمرنا قدمينا في النهر الذي جاء من السماءِ كي تستقرَّ في أعيننا البهجة ، نظرتُ في عينيها وقد تكحلتْ بماء المطر ، ازدادتْ جمالًا على جمال ، نظرتْ في عيني وحولها بعضُ القَطْرِ الذي رفضَ أن يغادر وجنتي ، اتجهنا إلى الأزقةِ الباردةِ بقدمين حافيتين ، جلسنا بين الماءِ الذي أغرقَ التراب ، عاد المطر من جديد ، كتبنا فرَحَنا على الماءِ ونحن لانرى حروف الكتابة ، قالت : كم نحن مجانين ! هل يمكن أن نرى كتابتنا على الماء ، ابتسمتُ لها وقد غرقتْ ملابسنا ، هربنا نحو الدفء وقد شبعنا من المرح ، وقفنا عند شباكِ الغرفةِ لنرتوي من القطرات الهاربةِ نحوَ الغرفةِ مثلنا ، نظرنا إلى الزرقةِ القادمةِ من بعدِ المطر ، قلتُ لها : أحبُّ المطر ، سكتُّ ثم قلتُ لها : أحبكِ قبل المطر، كنتُ أرتجفُ من البرد ، اقتربتْ مني أكثر، ضمَّتني وهي ترتجفُ مثلي ، قلتُ لها : لقد عدنا صغارًا نلهو بالمطر ، احمرَّتْ وجنتاها من الخجل ، قالت : قل : لقد أصبحنا كبارًا يغسلنا المطر .
(0) التعليقات
لا توجد تعليقات