
✍🏼 ملهي شراحيلي
بكل غِبطة وفرح وسرور تُشرق شمس هذا الصباح معلنةً للعالَم، ومذكرةً لنا بيومٍ من أعظم الأيام التي لم يشهد التاريخ مثلها، ولن يأتِ الزمان بأفضل منها.
يومٌ بزغ فيه نور السعودية، وتلألأت فيه الأمجاد العربية، وتناغمت فيه القبائل البدوية مع العوائل الحضرية، وتوثقت فيه العهود القلبية، مع الأعراف والتقاليد القبلية، وفق مبادئ الشريعة الإسلامية.
إنه يوم الثاني والعشرين من فبراير، يوم التأسيس المجيد.... للماضي التليد والحاضر السعيد والمستقبل البهيج..
يوم بدينا.
في مثل هذا اليوم ( يوم ٢٢ فبراير) من عام ١٧٢٧ م، تولى الإمام محمد بن سعود، الحُكم في الدرعية، فكان هذا اليوم علامةً في مفرق الدهر، وغرّةً في جبين الأيام، وتاريخاً لتأسيس الدولة السعودية الأولى.
ولذلك أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله ورعاه، أمراً ملكياً، في 27 يناير 2022، بأن يكون يوم 22 فبراير من كل عام يوماً لذكرى تأسيس الدولة السعودية، باسم يوم التأسيس، ويصبح إجازة رسمية.
ويوافق هذا اليوم تاريخ 30 جمادى الآخرة من عام 1139هـ، بناءً على ما استنتجه المؤرخون وفقاً للمعطيات التاريخية التي حدثت خلال تلك الفترة وشهدت تولي الإمام محمد بن سعود، الحكم في الدرعية والعديد من الإنجازات في عهده.
إن هذا اليوم المبارك، يوم ٢٢ فبراير، لايذكرنا فقط بالأسس المتينة التي قامت عليها الدولة السعودية الأولى، ولكنه يوقض في ذاكرتنا التضحيات الجسيمة التي سطرها أجدادنا، لاسيما إذا ما تأملنا حال الجزيرة العربية قبل قيام الدولة السعودية الأولى، وكيف كانت الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تلك الحقبة الزمنية، بعد سقوط الدولة العباسية، وتشرذم الأقطار العربية وتقطعها، في ظل الثورة الاستعمارية والمطامع الأوروبية في البلدان العربية.
وإذا ما عدنا للخلف بعض الخطوات، لتفحص الوضع في الجزيرة العربية، قبل قيام الدولة السعودية الأولى، فسوف نكتشف أنه منذ مقتل عثمان بن عفان، رضي الله عنه، وخروج علي بن أبي طالب، كرّم الله وجهه، من المدينة المنورة إلى بغداد، ثم قيام الدولة الأموية في دمشق، فمنذ ذلك الوقت لم تقم دولة في الجزيرة العربية، مع أنها ظلت تحت حكم الدول الإسلامية، سواءً في عهد الدولة الأموية، أو العباسية، ومع أن من أسباب نقل عاصمة الدولة الإسلامية من المدينة المنورة، إلى دمشق، ثم بغداد، ربما كان بهدف إبعاد المشاعر المقدسة (مكة المكرمة والمدينة المنورة) عن الصراعات السياسية، إلا أن هذا البعد للقرار السياسي في تلك الفترة، صنع فراغاً سياسياً في الجزيرة العربية، انعكس على الأوضاع الإجتماعية وضاعف من تردي الأوضاع الاقتصادية، مما تسبب في تراجع فكري ونكوص أخلاقي، تمثل في انتشار الجهل والخرافات والبدع...
فكان لابد لنجد أن تهب لنجدة الجزيرة العربية، ليس طمعاً في الحكم، ولا حباً في المُلك، وإنما لتصحيح المسار السياسي، وتعزيز المبادئ والقيم الإسلامية، وتطهير الجزيرة العربية من الخرافات والبدع، ولأن الغاية كانت نبيلة، والأهداف واضحة، فقد وفق الله الإمام محمد بن سعود، ومن معه، لمعالجة القضايا المجتمعية في ذلك الوقت، رغم تكالب الأعداء، من الداخل والخارج عليهم لوءد الدولة السعودية الأولى في مهدها، غير أن عزيمة الأبطال وصبرهم، أنجبت الدولة السعودية الثانية، التي استطاعت ليس فقط أن تحافظ على ملك أبائهم، بل أنها كانت أكثر اتساعاً من الدولة السعودية الأولى، فحكمت بشرع الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، عموم الجزيرة العربية، في الوقت الذي كانت الدولة العثمانية، في عصرها الإمبراطوري، والدول الأوروبية في ذروة نشاطها الاستعماري.
مما هدد الدولة السعودية الثانية وتسبب في انحسارها وتراجعها، واسقاط قيادتها، غير أن مشيئة الله تأتي بعبد العزيز بن عبدالرحمن الفيصل، طيب الله ثراه، ليعيد للجزيرة العربية هيبتها، ولنجد صولتها، وللحق جولته، فقامت على يده رحمه الله، الدولة السعودية الثالثة، المملكة العربية السعودية، التي لم يغير ظهورها خريطة العالم فقط، بل غيّرت بمجيئها التاريخ، وتحولت بوصلة العالم معها نحو الرياض.
ومن جميل ما يؤثر عن الملك عبدالعزيز، طيّب الله ثراه، أنه عندما أتم أحد المهندسين بناء بيتاً للملك عبدالعزيز، كتب على المدخل:
نبني كما كانت أوائلنا تبني
ونفعل مثلما فعلوا.
وحين رأى الملك عبدالعزيز، هذا البيت طلب بفطنته وطموحه أن يعدّل كلمة "مثلما" إلى "فوق".
ليكون البيت:
نبني كما كانت أوائلنا تبني
ونفعل فوق ما فعلوا.
وإننا إذ نستذكر في هذه المناسبة الغالية على قلوبنا، أمجاد الدولة السعودية الأولى، لنشعر بالعزة والفخر لما تحقق من منجزات لوطننا المعطاء في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين حفظهم الله.
وإذا كان التاريخ يحتفظ لنا في طياته ببطولات وتضحيات المؤسس محمد بن سعود، فهاهو التاريخ يعيد نفسه، وتجود نجد بنجلها البار محمد بن سلمان، صاحب الرأي السديد والفكر الرشيد صاحب الرؤية المجيدة التي أعادت لنجد بريقها، وللسعودية سعدها وعزها وللعروبة مجدها.
والشواهد على ذلك أكثر من أن أحصيها، وأوسع من أتتي على ذكرها، وعلى كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية، ولعل آخرها استضافت المملكة العربية السعودية، للمباحثات الأمريكية الروسية في الرياض، واجتماع قادة دول الخليج العربي، بالإضافة إلى ملك الأردن ورئيس جمهورية مصر العربية، في ٢٢ من فبراير، في ذات التاريخ الذي في مثله كان قيام الدولة السعودية الأولى.
وبما أننا عرّجنا على الماضي، أما الحاضر فهاهو يتحدث عن نفسه، فمما لاشك فيه أن المستقبل بتوفيق الله ومشيئته، لن يقل جمالاً عن الحاضر، ولا عُمقاً عن الماضي، لاسيما وأن المملكة العربية السعودية الآن تحتل مراكز متقدمة في العديد من البرامج والمسارات الدولية، بل وأصبحت في بعضها تحتل الصدارة العالمية متفوقةً على كثير من الدول المتقدمة.
لقد كانت ولاتزال وسوف تظل المملكة العربية السعودية، رقماً صعباً في المعادلة السياسية والاقتصادية، الإقليمية والعالمية، وخلال الفترة القادمة سوف تكون لها الكلمة الأولى واليد الطولى في المحافل الدولية، والسبب في ذلك ليس وضعها الاقتصادي، ولا مواردها التي بفضل الله لاتنضب، وإنما بعد توفيق الله، لأنها منذ تأسيسها إلى هذه اللحظة هيأ الله لها قادة حُكماء، وأبناء أوفياء.
وقد طُبعت على العُلا والعياء، كما قال الشاعر:
طُبِعت على حبّ العَلاء فسعيُها
للمكْرُمات يُعَدّ من دَيْدانها
نهضت بماضي الدهر نهضتها التي
خَضَعت لها الأفلاك في دَورانها
حَسُنت عواقب أمرها حتى لقد
بَهَرت بني الدنيا جلالة شانها
فهم الأُلى فتحوا البلاد ونشّروا
رايات مَعدَلة على قُطّانها
وهم الألى خضعت لهم أمم الورى
من تركها طُرّاً إلى أسبانها
والروم قد نزلت لهم عن مُلكها
والفُرس عمّا شيد من إيوانها.
MelhiSharahili@gmail.com
(0) التعليقات
لا توجد تعليقات