
لكل بحار ذكرى، ولكل موجة أثر في رحلته، ومهما طال به السفر لا بد من الإحساس بدوّار البحر، فهناك من تعايش معه وأحبه، وهناك من ركبه كواجب وظيفي وكرهه، فتجد هذا مادحًا والآخر ذامًا، وكل إنسان على قوة صبره وجلده، ولكنهم اتفقوا جميعًا على حقيقتين لا ثالث لهما: مع أول موجة، إن البحر غدار، وبعد أن تتعدى كاسر الأمواج، تتوكل على الله، فربما لن تعود من رحلتك.
كاسر الأمواج مصطلح بحري يُطلق على فاصل خرساني قريب من الشواطئ، بعضه فوق الماء، والبعض الآخر تحت الماء، وُضع ليكسر شدة الموجة أو التيار المائي، لحماية السواحل من الأمواج العالية في أوقات الرياح العاتية، ويحمي من الانجراف والانحدار والتآكل في الشواطئ، ويجعل المياه هادئة بعض الشيء.
كاسر الأمواج كالجليد فوق الماء، يُخفي ما خلفه ما استطاع، ولكن الآخر يتأثر بارتفاع درجات الحرارة الناتج عن ارتفاع مستوى ثاني أكسيد الكربون، فينصهر بفعل الاحتباس الحراري ويعود يومًا ما كموجة تصطدم بكاسر الأمواج!
خلق الله الطبيعة وخلق الحيوانات وخلق الإنس والجن، ولم يكن أحدها ليطغى على غيره، فالكواكب مسيّرة بأمره تعالى. وقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عمّا يعمله الناس، أهو أمر قد قُضي وفُرغ منه، أم أمر مستأنف؟ فقال: بل أمر قد قُضي وفُرغ منه. فقالوا: ففيمَ العمل يا رسول الله؟ فقال: (اعملوا فكلٌّ ميسر لما خُلق له). وهناك لا شك كاسرٌ للأمواج غير مرئي، ولكنه موجود ليضع حدًا وفاصلًا لكي لا يطغى خلق على خلق. قال تعالى: (مرج البحرين يلتقيان، بينهما برزخ لا يبغيان)، فالماء المالح لا يطغى على الماء الحلو، والعكس صحيح.
إن العلاقة بين الآباء والأبناء، والطلاب والمعلمين، والموظفين ورؤسائهم، تحتاج إلى كاسر أمواج، لكي يخفف من اندفاع البعض وحماسه، فلا يتعدى حدود البروتوكول الأخلاقي والديني، فيحصل أمر قد يندم الإنسان عليه مستقبلًا. ويبقى السؤال المحيّر: كم كاسر أمواج نحتاج إليه؟!
بقلم/ علي بن عبد الله المالكي
(0) التعليقات
لا توجد تعليقات