
✍️ ملهي شراحيلي
لطالما ارتبط البشر بالنجوم منذ الأزل، ولايزال الارتباط متصلاً، وسيظل كذلك إلى أن تذهب الأرض ومن عليها، والسماء وما فيها من كواكب ونجوم.
ومن أقوى تلك الروابط التي اكتشفها الإنسان منذ القِدم، المواسم الزراعية والأحوال الجوية، التي لايمكن معرفتها إلا من خلال النظر إلى النجوم.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن التقلبات الجوية ليست بسبب ظهور نجم ولا بغروبه، وإنما اهتدى الناس منذ القدم إلى أن ظهور بعض النجوم يتزامن مع تغيرات الجو وتقلبات الزمان، من حرّ وبرد، ومطر وجفاف ونحوها.
وكما هو الحال في هذه الأيام، حيث يكثر الحديث عن نجم سهيل، وموسم الأمطار، ولذلك قال قائلهم:
إذا رأيت سهيل، فلا تأمن السيل.
كنايةً عن غزارة الأمطار التي ينتج عنها سيول عارمة، والتي تترافق مع ظهور نجم سهيل في كل عام.
ولأن حياة الإنسان في سابق الأزمان ارتبطت بالأمطار، وما ينشأ عنها من وفرة في النباتات وبالتالي وفرة في المحاصيل الزراعية من ثمار وحبوب، فقد اكتشف الإنسان أن أوقاتاً تكون أفضل للزراعة من غيرها، وأوقاتاً لا يصلح فيها الزرع، ومع مرور الزمن وتعاقب الأجيال، ظهر مايُعرف بالأنواء أو المنازل الفلكية، فقسّمو العام إلى ٢٨ منزلة أو نوء أو نجم وفي كل منزلة من تلك المنازل ١٣ يوماً ماعدا منزلة الجبهة ففيها ١٤ يوماً، ومجموعها ٣٦٤ يوماً وهو عدد أيام العام.
إن هذا الاكتشاف البدائي البسيط، للعلاقة بين النجوم والأرض وما نتج عنها من كشف علمي تطبيقي، لكل نجم وتحديد وقت ظهوره وأفوله، لم يساعد الإنسان في إدارة شؤون حياته، وتأمين احتياجاته فحسب، بل وفّر للإنسان إلى هذا اليوم، دليلاً إرشادياً لتجنب الكوارث الطبيعية، من خلال أخذ الاحتياطات اللازمة للتعامل مع تقلبات الأحوال الجوية، وما قد ينتج عنها من جفاف أو فيضانات.
إن معرفة الوقت المناسب لزراعة محصول معين، وفرت للإنسان مخزون معرفي، كما أمّنت له محصول كافي في وقت قياسي بأقل مجهود وأقل تكلفة.
وهذا يفتح أمامنا عدة تساؤلات، لعل أهمها:
هل يتوقف الارتباط بين النجوم والبشر عند هذا الحد؟
وهل للنجوم روابط أخرى بالأرض ومن عليها؟
وهل من علاقة بين الأرض والكواكب الأخرى، سواءً داخل المجرة أو خارجها؟
إن الأرشيف المعرفي المتراكم الذي استطاع الإنسان تدوينه وحفظه إلى الآن، فيما يخُص العلاقة بين النجوم والأرض، أكبر وأكثر من أن يحتويه مقال، وفي المكتبة العربية من علوم الفلك ما لا يُحصى من أمهات الكتب والمخطوطات، وليست المكتبة العربية وحدها ما تزخر بهذا النوع من العلوم، بل لا تكاد تخلو ثقافة بشرية على وجه الأرض من علوم الفلك.
وربما هذا أحد الأسباب التي جعلت الدول تتسابق نحو الفضاء لمعرفة المزيد من الأسرار الفلكية، والمكنونات النجمية، واكتشاف المزيد من الروابط بين البشر والنجوم.
إن نظرةً في النجوم لا تعطينا شعوراً بالهدوء النفسي، والصفاء الذهني فحسب، بل وتأخذنا إلى عالم فسيح من التأمل والتفكّر في هذا التناسق البديع، والصُنع الرفيع، ولو أمعنّا النظر، فسوف نندهش لهذه الأجرام السماوية، السابحة في محيطات الفضاء، لن تجذبنا ألوانُها المتعددة، ووميضها البرّاق، وبُعدها عن بعضها البعض، وقربها وبعدها عن الأرض فحسب، بل وتعدد مطالعها ومغاربها، وحركتها الدائبة، مع حفاظها على المسافة فيما بينها، وانتظامها مع ما يقابلها من كل إتجاه.
ولعل نظرةً أعمق، بشيء من التدقيق والتأمل، سوف تكشف لنا أن ما كُتب إلى الآن عن النجوم، -رغم غزارته- إلا أنه لايساوي عُشر ما نستطيع رؤيته منها بالعين المجردة.
إن النظريات الفلكية، والمفاهيم الكونية لاتزال في بداياتها، وربما يحتاج العالم إلى مئات السنين، إن لم تكن آلاف السنين، لمعرفة المزيد من العلاقات التي تربط الأرض ومن عليها بالنجوم.
أو بعبارة أخرى، للوصول إلى فوائد النجوم للأرض ومن عليها.
إن الحجم الهائل للمسافة بين الأرض والنجوم، لاتعني بالضرورة أن العلاقة مجرد تبعية من حيث الكتلة والحجم، فلاشك أن هناك قوانين أخرى تحكم وتتحكم في تلك العلاقات والروابط، ليس فقط بين الأرض والكواكب الأخرى، ولكن بين النجوم والكواكب في المجرات الأخرى.
وإذا ما اقتصرنا النظر إلى مجموعة مجرتنا المعروفة بدرب التبانة، فإن الكواكب الخارجية للأرض، ترتبط بالأرض بروابط لا تقل أهمية عن تلك الروابط التي تربط الأرض بالكواكب الداخلية في المجرة.
إن نظرة في النجوم كفيلة بأن تفتح لنا أبواباً من التساؤلات عنها، عن كهنها وماهيتها، عن تكوينها ومكوناتها، عن أشكالها وأحجامها، عن الفائدة من وجودها، وعن وعن وعن...
وقبل أن يترد الطرف، يبقى السؤال قائماً:
هل توصل الإنسان إلى معرفة كل شيء عن الكواكب والنجوم؟
هل هناك علاقة إن لم تكن علاقات تربط الأرض ومن عليها بالنجوم، غير الطقس والزراعة؟
ولقد صدق الشاعر حين قال:
كواكبُ في المجرة عائماتٌ
حكتْ في بحر فسحتها السفينا
سرتْ زُهْرُ النجوم وما دراها
فلاسفة مضت ومنجمونا
شموسٌ في السماء عَلتْ وجلَّت
فظنوا في حقيقتها الظنونا
سوابحَ في الفضاء لها شئونٌ
ولمَّا يعلموا تلك الشئونا.
(0) التعليقات
لا توجد تعليقات