✍️ ملهي شراحيلي
لايكاد يخلو مجلس من مجالس أهالي جازان هذه الأيام، من مناقشة هذا السؤال الجدلي، بسبب الأمطار الغزيرة والسيول التي شهدتها المنطقة، ولاتزال الفرصة مهيأة للمزيد من الأمطار وما قد يصاحبها من ظواهر طبيعية على شكل صواعق رعدية وسيول طوفانية، ومن الطبيعي أن تنتقل هذه النقاشات إلى مواقع التواصل الإجتماعي والقنوات الإعلامية.
وقبل الخوض في إثراء هذا النقاش، أود التوضيح للقارئ الكريم أنني لست متخصصاً في هذا المجال، وإنما سوف أدلي بدلوي بناءً على تجربتي الشخصية، وخبرتي الحياتية خلال نصف القرن التي قضيتها من عمري إلى الآن.
باديء ذي بدأ فالسؤال المطروح:
هل الأمطار التي تشهدها جازان حالياً مسبوقة أم غير مسبوقة؟!؟
يحتاج إلى توضيح، فكلمة مسبوقة تعطي انطباع أن مايحدث سبق وأن حدث!!!
ولكن متى حدث؟
أي هل سبق وأن حدثت أمطار مثل التي تنهمر الآن بغزارة؟
أما الجزء الثاني من السؤال، أم أنها غير مسبوقة؟
فهو أكثر غموضاً من الجزء الأول من السؤال!!.
فإذا ما كان القصد من هذه العبارة، أنها لم تحدث من قبل، فمن قبل هذه تدل على الزمن، وأغلب الموجودين الآن أعمارهم لاتزيد عن ١٠٠ عام، مما يعني أن الإجابة بالنفي غير دقيقة، كما أن الإجابة بنعم غير صائبة.!
بعبارة أخرى:
إذا قلنا أن كمية الأمطار التي سقطت على المنطقة خلال هذا الأسبوع غير مسبوقة، فنحن هنا ننفي أن تكون المنطقة قد شهدت كمية أمطار مماثلة!!! وهذا طبعاً غير دقيق لسبب بسيط، وهو:
لايوجد سجل دقيق لكمية الأمطار التي شهدتها المنطقة، لانقول منذ وجودها ولكن فقط خلال الــ ١٠٠ عام الماضية، ناهيك عن القرون الماضية.
وإذا ما قيل أن الأمطار التي تشهدها جازان مسبوقة، فلذات السبب أيضاً نكتشف أن الجواب غير منطقي.
وعليه فلا جواب قطعي، يمكن أن يؤكد أو ينفي، ما إذا كانت مسبوقة أم غير مسبوقة.
في مداخلة على قناة العربية للمتحدث من المركز الوطني للأرصاد، أكد فيها أن كمية الأمطار التي سقطت على المنطقة، تعتبر ضمن المعدلات الطبيعية!!.
لكن في نشرة للمركز الوطني للأرصاد في شهر يوليو الماضي، قال فيها:
"أغلب مناطق المملكة على موعد خلال شهر أغسطس مع هطول أمطار أعلى من معدلها الطبيعي بفرصة حدوث تصل إلى 60%، بمشيئة الله تعالى.".
وهذا طبعاً ليس تناقضاً وإنما هذا يعني أحد أمرين:
أما أننا لانزال في بداية الموجة، وهذا أقرب للواقع. أو أن قياسات المركز غير دقيقة.!!.
وهنا أعيد أنني لست متخصصاً في هذا المجال، ولكن أتساءل كغيري من أبناء المنطقة عن الحالة المناخية التي تشهدها جازان:
هل هي مسبوقة أم غير مسبوقة؟
هل كمية الأمطار في حدود المعدلات الطبيعية أم تجاوزتها؟
أنا شخصياً أعتقد أن المنطقة قد شهدت أمطاراً خلال السنوات الماضية، أغزر من الأمطار التي هطلت خلال هذا الأسبوع!!.
بعيداً عن سجلات المركز الوطني للأرصاد، فعلى سبيل المثال: شهدت المنطقة في خريف ١٤٢١ أمطاراً طوفانية، كان من آثارها ظهور حمى الوادي المتصدع.
وفي عام ٢٠١٦م وقعت المنطقة تحت تأثير إعصار "قونو" الذي ضرب سلطنة عُمان واليمن، ومؤخراً شهد خريف ٢٠٢٠ أمطار غزيرة، وكذلك أغسطس ٢٠٢٢.
ولكن الذي لا أعرفه حقيقة معدل الأمطار!!
ولا أعلم إن كان المقصود بالمعدل هو متوسط الكمية التي تقيسها محطات الرصد أم غير ذلك، وإذا ما كان المقصود بالمعدل متوسط ماتقيسه محطات الرصد، فلا أعلم كم عدد المحطات في جازان؟
ومنذ متى وهي تعمل؟
وما مقدار أعلى كمية مسجلة؟
ومتى وأين تم تسجيلها؟
لأن من غير المعقول أن يقال أنها في المعدلات الطبيعية، بصفة عامة، (على كافة المنطقة) بينما المحطة في جازان، ناهيك عن تحديد الكمية الطبيعية والأعلى منها أو مافوق المعدل.
دون تحديد المعيار أصلاً وهو هنا المعدل.
ولكن وفي كل الأحوال وبغض النظر عن المعادلات المستعملة والأدوات المستخدمة في القياس، فكمية الأمطار تختلف من محافظة وأخرى، أضف إلى ذلك أن القياس يشمل ما يقع على المحطة فقط وليس كمية الأمطار التي تسقط على عموم المنطقة.
وهناك نقطة أخرى لابد من الإشارة إليها، ألا وهي عامل الوقت أو الزمن!!.
فمما لاشك فيه أن كمية الأمطار خلال الموسم كاملاً، لا يصح مقارنتها بما يهطل خلال أسبوع!!.
كما لايصح مقارنة كمية أسبوع بيوم، بل ولا يصح ولا يُعقل أن نقارن بين كمية الأمطار في السنوات المجدبة بكميات الأمطار في السنوات المطيرة، ناهيك عن مقارنة أمطار الصيف بالخريف أو بالشتاء.
إن من أبجديات علم الفلك، معرفة المنازل الفلكية والأنواء، وهو بلاشك من العلوم الإنسانية التي لا يمكن تجاوزها عند الحديث عن الأمطار، نظراً لارتباطها بهذه المنازل، بعد مشيئة الله طبعاً.
فعلى سبيل المثال، نوء الذراع، أو موسم المرزم معلوم لدى الفلكيين أنه من أكثر الأنواء مطراً، وعليه فلا يمكن أن نقارن كمية الأمطار في موسم المرزم بكمية الأمطار في موسم الجوزاء.
بعبارة أخرى:
لايمكن مقارنة أمطار أبريل بأمطار أغسطس مثلاً.
ومع ذلك فإن هذه الحيثيات الفلكية والمواقع الجغرافية، وإن كانت مما يجب مراعاته عند الحديث عن الأمطار، إلا أن المتغيرات المناخية سواءً منها ماهو طبيعي، أو مستحدث مثل الاستمطار ، فإنها عوامل ينبغي أخذها في الإعتبار.
ومن وجهة نظري الشخصية أن السؤال الذي يستحق البحث عن إجابة له، هو ليس :
هل الأمطار التي تشهدها جازان حالياً مسبوقة أم غير مسبوقة؟!؟
ولا حتى: هل هي تحت المعدل الطبيعي أم أقل أو أكثر؟
وإنما: هل هذه الحالة المناخية التي تشهدها جازان حالياً، هل هي طبيعية أم أنها ناتجة عن عمليات الاستمطار؟!؟
ولكن وفي كل الأحوال وبغض النظر عن الأسباب الجذرية وراء هذه الظاهرة المناخية، فالأهم من البحث عن أسبابها هو التعامل معها بجدية ومسؤولية.
إن مايقوم به المركز الوطني للأرصاد من رصد وتنبيه وتحذير يجب أن يؤخذ على محمل الجد من قبل الجهات الحكومية والمؤسسات الوطنية وحتى أفراد المجتمع، وإلا فما الفائدة من الإطلاع على تنبيهات المركز وتداولها، دون التقيد بها وتطبيقها لتلافي حوادث الغرق وتلف الممتلكات نتيجة عدم التعاطي مع تلك التحذيرات والاستعداد لها.
إن سقوط جسر رديس مثلاً ليس من أسبابه الرئيسية الأمطار الغزيرة، ولا حتى السيل، وإنما السبب الرئيسي فيه إن لم يكن الفساد، فهو الإهمال والتقصير من بعض الجهات المسؤلة عن مثل هذه المنشآت، وعدم فحصها وصيانتها بشكل دوري، ولعمري كم جسراً ينتظر مصير جسر رديس.
وغرق بعض القرى والأحياء ينطبق عليه الحال، ومثله غرق بعض المرافق الخدمية، التي وصلها تنبيه المركز الوطني للأرصاد عن أمطار غزيرة، ولكنها لم تتصرف إلا بعد أن تحولت إلى بحيرات!!.
والأدهى من هذا والأمرّ، أن أغلب تلك المرافق قد شهدت حوادث غرق خلال الأعوام الماضية، بل تكاد اعتادت على الغرق في كل عام!!.
فلا توجد لديها خطط طوارئ، ناهيك عن قدرتها على إيجاد حلول جذرية للتعامل مع التقلبات المناخية، والأحوال الجوية.
أما المتهورون والمغامرون ممن يعرّضون أنفسهم وممتلكاتهم وأرواح الآخرين للخطر بسبب رعونتهم ومجازفاتهم بقطع الأودية، فهؤلاء لايجدي نقاشهم، ولاينفع عتابهم، لأنهم كما قال الشاعر:
وَلَيْسَ عِتَابُ المَرءِ للمَرءِ نَافِعاً
إِذْا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْءِ عقلٌ يُعَاتِبُهُ.
MelhiSharahili@gmail.com
(0) التعليقات
لا توجد تعليقات