جازان - أحمد الخبراني
في قلب الخوبة، تلك البلدة الهادئة بين جبال جازان، كان ينبض سوق الحيوانات بالحياة كأنفاس الصباح الأولى، حيث يتقاطع صوت المواشي مع همسات الباعة وضحكات الأطفال. كان هذا السوق ليس مجرد مكان للبيع والشراء، بل كان لوحةً نابضة بالحياة، مشبّعة بروح البساطة والتآخي التي تجسد أصالة أهل المنطقة وكرمهم.
لم يكن السوق مكانًا عاديًا، بل كان محطةً للذكريات. كل زاوية فيه تحمل قصة، وكل لقاء فيه كان يحمل دفء العلاقات الإنسانية التي تجلت في أبهى صورها. كان الصغير يتعلم من الكبير فنون البيع والتجارة، والضيف يُكرم كما لو أنه واحد من أهل الدار، والأحاديث تتنقل بين الزوايا، تحمل بين طياتها شجون الحياة وفرحها.
حينما تتوقف الحياة في هذا السوق، تشعر وكأن جزءًا من روح الخوبة قد غاب. الحنين إليه ليس مجرد حنين لمكان، بل هو حنين لحياة نابضة بالتفاصيل التي شكّلت ذاكرة أجيال بأكملها. إنه شوق لتلك اللحظات البسيطة التي كانت تجمع الناس على قلب واحد، ولرائحة الأرض الممزوجة بأنفاس الحيوانات وحماس التجار.
اليوم، وأمام صمت هذا المكان الذي كان يعجّ بالحياة، تتزايد الدعوات وتتوالى الأمنيات لعودة السوق. عودته ليست مجرد استعادة لنشاط اقتصادي، بل هي استعادة لنبضٍ كان يوحد القلوب ويربط الحاضر بالماضي.
أهل الخوبة وزوارها يتطلعون بشغف إلى اليوم الذي يستعيد فيه السوق روحه، ليعود كما كان: مسرحًا للفرح، وشاهدًا على قصص لا تزال تُروى في ذاكرة المكان، ولحناً يعزف أجمل سيمفونية عن البساطة والحب والانتماء.
(0) التعليقات
لا توجد تعليقات