المقالات

الجميل الناقص.. حين يختنق الوفاء بهياط العطاء

الجميل الناقص.. حين يختنق الوفاء بهياط العطاء

✍🏻 أحمد الخبراني

الجميل لا يُقاس بحجمه، بل بطريقة تقديمه. فكم من “جميلٍ ناقص” مسّه الهياط فأفقده قيمته، وكم من معروفٍ بسيطٍ صيغ بأدبٍ فصار أثقل من الذهب.

 

هناك من يفعل الخير لا لوجه الله، بل ليحجز مقعدًا في الصفوف الأولى من المديح، فيغرد، ويوثق، ويستعرض، حتى يصبح المعروف استعراضًا، والجميل عبئًا على من قُدّم له.

 

الجميل الذي يُعلن بصوت عالٍ هو كهدية تُقدَّم ومعها الفاتورة. لا تكتمل لذتها، ولا تترك أثرها.

بل يصبح صاحبها كمن يقول: “خذ الجميل، وادفع الثمن احترامًا وامتنانًا مدى الحياة.”

 

المروءة ليست أن تفعل الجميل، بل أن تحسن إخراجه. أن تُخفيه كصدقة، وتُقدّمه ككرامة.

فمن لم يُكمل جميله بطريقة تليق، فليحتفظ به.

فـ الجميل إذا اختنق بالمنّة، مات.

 

هناك من يظن أن الهياط يُضخّم الجميل، بينما الحقيقة أنه يُفرغه من المعنى.

الجميل حين يُروى بالنية الصافية، يكبر في السماء.

وحين يُغسل بصابون الإعلام، يذوب قبل أن يُجفف.

 

ولذلك، قلّ الوفاء في هذا الزمن، لا لأن الناس جاحدون، بل لأن بعض “الجمائل” لا يمكن ردّها إلا بالصمت أو بالابتعاد.

فمن الجميل ما يُقدَّم ليُذكر، ومنها ما يُقدَّم ليُذلّ به صاحبه لاحقًا.

 

لكن، وللإنصاف…

يحق لك أن تُذكّر بالجميل إذا أُسيء إليك ممن صنعته له.

فالمنّة هنا ليست فخرًا، بل ردعًا.

حين يتطاول من كنت يومًا عونًا له، فلك أن تقول: “قف، وتذكّر.”

ليس لتُفسد جميلك، بل لتضع حدود الكرامة.

فالسكوت عن الإساءة في حضرة المعروف ليس تواضعًا، بل ضعفًا.

ومن ردّ الموقف بالموقف، حفظ لنفسه حقّها، وأبقى جميله في موضعه الصحيح.

 

الجميل الحقيقي لا يحتاج توثيقًا ولا جمهورًا.

يحدث في الخفاء، وينمو في القلوب، ويُثمر دعوة في ظهر الغيب.

 

فإن كنت تريد أن تصنع جميلًا، فأكمله بأدبك قبل يدك، وبصمتك بعد فعلك.

وإن لم تستطع أن تُحسن ختامه، فـ بلا جميلٍ ولا جمايل، ولا هياط…،