المقالات

الامتثال الماكر

الامتثال الماكر

في عالم الأعمال المعاصر، حيث تسعى المؤسسات نحو الانضباط التشغيلي والامتثال التنظيمي، تظهر بين ثنايا الانضباط نماذج سلوكية تبدو ملتزمة من الوهلة الأولى، لكنها تخفي في جوهرها روحاً من المعارضة السلبية والمقاومة غير المعلنة ... أحد أبرز هذه السلوكيات هو ما يُعرف بـ (الامتثال الماكر) Passive Compliance

الامتثال الماكر هو تصرف الموظف وفق الأنظمة والتعليمات بحذافيرها، لا بدافع الولاء أو الحرص على تحقيق الأهداف، بل بغرض تمرير رسالة احتجاج ضمنية أو تعطيل الأداء بطريقة لا تعرضه للمساءلة ... هو شكل متطور من المقاومة السلبية، يلتزم فيه الموظف بالنص ويغيب فيه عن الروح، فيؤدي المطلوب منه بطريقة تفتقر إلى المرونة أو الفهم العميق للسياق.

الامتثال الماكر … عكس روح القانون ... طاعة ظاهرية ومقاومة خفية تهدد وتسمم بيئة العمل، ففي فلسفة الإدارة الحديثة، هناك فارق جوهري بين نص القانون وروح القانون، النص هو ما كُتب، بينما الروح هي القصد التشغيلي والأثر المرغوب تحقيقه، هنا تحديدًا يتسلل الامتثال الماكر، كضد مباشر لروح القانون، إذ يلتزم الموظف بالنصوص حرفيًا، لكنه يتعمد تجاهل النية أو الغاية من تلك النصوص وهو التسهيل ما أمكن. 

ففي دراسة لي أجريت على منصة لينكد ان للأعمال صوت 69% من المشاركين ان وضع علامة شاغر للعمل وهو لايزال على رأس العمل، هي رد فعل على عدم الرضا والولاء عن ولمكان العمل او معارضة للأنظمة الداخلية، ولكن بطريقة قانونية ولا تخالف نص القانون. 

فعندما تعتمد الإدارة تسهيلات أو تُفَعّل المرونة في الإجراءات، فإن الغرض عادة يكون دعم الكفاءة، وتسريع الإنجاز، أو تمكين فرق العمل من اتخاذ قرارات مدروسة ضمن حدود معينة ... لكن الموظف الذي يمارس الامتثال الماكر يستخدم هذه المرونة كذريعة للتقاعس، أو يتعمد تجاهلها بحجة أن النظام لا ينص صراحة !، فيخلق تعطيلاً ممنهجً تحت غطاء الطاعة.

في جوهره، الامتثال الماكر ليس احترامًا للقانون، بل هو مراوغة ذكية لقيمته يقوم بها شخص غبياً وليس لديه ولاء وبدلاً من أن يكون القانون أداة مرنة لدعم الإنجاز، يُحوَّل إلى سلاح مقاومة باردة، يبطئ العمل، ويقوّض المبادرات، ويُفقد الأنظمة فعاليتها مع مرور الوقت.

الامتثال ليس هدفاً بحد ذاته، بل وسيلة لتحقيق الكفاءة والتميّز، أما حين يتحول إلى أداة للمراوغة السلبية، فإنه يُفرغ الأنظمة من معناها، ويحوّل الطاعة إلى وسيلة مقاومة قد تهوي بكامل الأصول وهنا تتجلى مهمة القادة الحقيقيين في التفريق بين الالتزام الواعي والامتثال الماكر ...

✍🏼علي بن عبد الله المالكي