منوعات

سَيْرُ الأيَّام

سَيْرُ الأيَّام

✍🏼محمد الرياني

ذاتَ يومٍ حلمتُ أن أكبر ، كان (حسن ) السائقُ الشخصيُّ للعمِّ (ناصر ) يقفُ بسيارته (اللاند كروزر) على جانبِ الطريقِ الترابي ، منظرُ الشراعِ الأخضرِ الذي يُغطِّي صندوقَ السيارةِ الخلفي في غايةِ الروعة ، جلستُ أتأملُ أثرَ عجلاتِ السيارةِ الجديدةِ على الأرض ، كنتُ فتىً صغيرًا له أحلام ، اقتربَ مني السائقُ وهو يرى ملامحَ اندهاشي ، قلت له ببراءة : الشاصُ رهيبٌ ! أعني السيارةَ ذات الدفع الرباعي ، قال لي : عندما تكبرُ سيكونُ لكَ مثلها ،بقيتُ أحصي الأيامَ وأستعجلُها حتى أكبر ، واعتدتُ أن أمشي خلفَ السياراتِ على الطرقِ الترابيةِ لأكتبَ على أثرِ عجلاتِها في التراب : يسير ...يسير ؛ والسيارةُ تسير ، مضتِ الأيامُ وبدأتُ ألاحظُ أنَّ أقدامي تكبرُ وأن حذائي الصغيرَ لم يعد يناسبُ قدميَّ الصغيرتين ، وأنَّ قامتي ارتقتْ لترى مابداخل السيارةِ اللاندكروزر من الداخل ؛ غيرَ أنَّ السيارةَ كبرتْ مثلي وظهرَ عليها أثرُ العمر ، اخترقتِ الشمسُ شراعَها الأخضرَ الذي بدا مهترئًا شاحبًا ولم يعد جميلا ، قلتُ لنفسي : هل كلُّ الذين يكبرون يُصبحون هكذا شاحبين ؟ نظرتُ إلى عجلاتِ السيارةِ وقد هرمتْ وأضحتْ مثلَ رأسٍ بلا شعَر ، جاءني السائقُ يتوكأُ وهو يدخلُ مقصورةَ القيادة ، قال لي : لقد كبرتَ وأصبحتَ رجلًا ، متى نرى معكَ سيارةَ نقلٍ مثلَ هذا ؟ دمعتْ عيني وأنا أرى حالَه وحالَ سيارتِه ، مازحتُه بابتسامةٍ وهززتُ رأسي محدِّثًا إيَّاه بأنَّ ذلك سيكون قريبًا ، بالفعلِ اشتريتُ سيارةً بيضاءَ جميلة ، تغيَّرَ في قريتنا الصغيرةِ كلُّ شيء ؛ شوارعُها وأناسُها ، وسياراتُها ، وغابَ عن المشهدِ السائقُ ( حسن ) حتى علمتُ بمغادرته دنيانا ، عدتُ لأحلمَ بالعودةِ إلى مراتعِ الطفولة ، وأن أرجعَ لحذائي القديم ، وإلى الطريقِ الترابيِّ كي أكتبَ عليه : يَسيرُ ...يَسيرُ ، سارتِ الأيامُ مسرعةً وسارَ العمرُ معها ولم تعُدِ الأيَّامُ للخلف .