منوعات

إرث لا يزال في ناصية التقدم العلمي

إرث لا يزال في ناصية التقدم العلمي

منذ فجر العصور الوسطى وحتى بزوغ فجر النهضة الأوروبية، كانت الحضارة العربية والإسلامية منارة للمعرفة، تجذب إليها طلبة العلم من كل حدب وصوب، إذ لم يكتفِ العلماء المسلمون بحفظ تراثهم، بل أضافوا إليه بصماتهم الفريدة، فنهلت الإنسانية من معين إبداعاتهم في الطب والهندسة والرياضيات والفلك والصيدلة والبصريات وغيرها، لترسو سفينة الحضارة على شواطئ المستقبل.

كان الطب عند ابن سينا (980–1037م) أعمق من مجرد تشخيص وعلاج، فقد وضع (القانون في الطب) مرجعاً شاملاً ضمم بين دفتيه نظريات وتشريعات طبية ما تزال يُرجع إليها حتى يومنا هذا، كذلك لم يكن أبو القاسم الزهراوي (936–1013م) مجرّد جرّاح، بل كان مهندساً للأدوات الجراحية، وصاغ في كتابه (التصريف لمن عجز عن التأليف) مئات الرسوم التوضيحية لأدواته، التي حفلت بها غرف العمليات الأوروبية عدة قرون بعده ولاتزال!

وارتبط اسم الخوارزمي (780–850م) بعلم الجبر ارتباطاً لا انفصام له، فهو واضع قواعده الأولى ومُصدّر البشرية إلى آفاق "الصفر" وقيمة العدم، ومنه استمد الأوروبيون مصطلح “Algebra”، كما قارب الفلكي البتاني (858–929م) أطوار القمر وحركات الكواكب، ووصلت دقته في الرصد إلى ما يرفع الحيرة بين أعظم علماء الغرب لقرون طويلة.

وفي الهندسة الميكانيكية، خطّ الجزري (1136–1206م) أروع التصاميم في كتابه (الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحكمة)، إذ جمع بين الجمال الوظيفي والتعقيد الميكانيكي، ليصمم ساعات مائية ومنحوتات متحركة، أما أبو الهيثم (965–1040م)، فقد وضع أسس علم البصريات في كتابه "المناظر"، فنقل الرؤية من حقل الفلسفة إلى حقل التجربة العلمية، فعرف كيف يدخل الضوء العين ويكوّن الصور على الشبكية، ممهّداً لعصر التصوير والعدسات.

ويبقى لجابر بن حيان (721–815م) الفضل في وضع أولى خطوات الكيمياء التجريبية، فقد أدخل مصطلحات كـ (ترشيح) و (تبلور)، وطوّر أدوات التقطير والتسامي، ودرس المعادن والصخور حتى صار يُسمَّى (أبو الكيمياء)، وكانت مختبراته محطاتٍ لاكتشاف الأحماض والأسس ومعرفة خواص المواد.

خلاصةٌ مضيئة:

ليس غريباً أن تُدرَّس اليوم معادلات الجبر ونظريات الضوء وقوانين الحركة، فأثر العباقرة العرب والمسلمين ظِلٌّ ممتدٌّ عبر الزمان، وحين نجلس أمام شاشة الحاسوب، أو نفكّر في خوارزميات التشفير، نشيد بصروحٍ أسسوها لتشرق بالإيمان والعلم معاً، إنّ فخرنا ليس مجرد اعتزاز بالماضي، بل دعوةٌ مستمرة لكل الأمةٍ العربية إلى أن يجعلوا من العلم معراجهم نحو آفاقٍ أعلى، تثري العالم بعطاءاتٍ جديدة على شجرة الإنسانية الراقية.

✍🏼علي بن عبدالله المالكي