منوعات

حديث الأشياء

حديث الأشياء

جالسةٌ في زاويتي الخاصة.
فكرة تأخذني، وأخرى تجيبني، وثالثة تعيدني إلى حياة الصفر…
كأنني أعود من البداية.

أتأمل كل شيء.
وكل شيء من حولي يروي قصة.
كأنني أسمع أصواتهم، كأنهم يتحدثون…
قلمي، أوراقي، كوب قهوتي، قنينة الماء، حتى الطاولة التي أكتب عليها.

أسمع همساتهم وحديثهم الخافت:

– لماذا هي صامتة؟
– لماذا هذا الانطواء الفكري؟
– ألا تريد التحدث معنا اليوم؟

قال الكوب:

> أيها القلم، أنت صديقها العزيز، القريب منها.
أنت من اعتادت أناملها على ملامسته،
وأنت من اعتاد النطق بما يدور في خاطرها.
أنت صوتها الذي لا يسمعه سوانا،
وأنت إحساسها الذي يصل إلينا.
هل بينكما خصام؟

 

فرد القلم بهدوء:

> اهدؤوا يا رفاقي، لسنا في خصام.
لكنها الآن تمر بلحظة ولادة…
فكرة جديدة، شيءٌ ما تخطط له،
تحاول تجميع خيوطه،
تنسج النسيج الذي يصل إليّ.
أشعر بذلك من لمسة يدها،
وحين تكتب، سأحكي لكم كما أشعر.

 

قال الكوب متنهّدًا:

> لكني أشعر بالبرد…
القهوة التي بداخلي قد بردت،
ومن برودتها شعرت بالوحدة.
كنت أشعر بالدفء بين يديها حين ترشفني،
كانت ترتشف السعادة، وكنت أنا أشربها معها…

 

قالت الورقة:

> كلكم تتحدثون عنها،
وكل منكم له قصة معها،
لكن اسمعوا قصتي أنا أيضًا.
أنا من تُسطر عليه أحاسيسها،
أنت أيها القلم لسانها،
وأنا لسانك الذي ينقل ما تنطق به.
أنا مرآتها،
تلك التي تعكس الكلمات التي تصوغها أفكارها.

 

تحدثت الطاولة أخيرًا:

> نسيتم أنني من يحملكم جميعًا؟
أنا التي أُسندها، وأُسندكم.
أنا رفيقة رحلتها في الكتابة.
أنا أيضًا شريكة في هذه اللحظة.

 

...

أما أنا، فكنت أستمع إليهم، وأبتسم.
كأنني أفهم لغتهم…
لغة لا يتحدث بها أحد، ولا يسمعها أحد… سواي.

لكن من يتحدث لغة الآخر؟
هل أنا من فهم لغتهم،
أم أنهم  هم من صاروا يتحدثون لغتي؟

هل وصلت إلى مرحلة الهذيان؟
أم أنني حقًا أشعر بهم،
وأفهم حديثهم، وأستمتع بصوتهم،
وسط صمتي، وعزلتي، وأفكاري؟

هل أنا الوحيدة التي تسمع نقاشهم الدائم؟
أم أنني أصبحت أجيد لغتهم، لأنهم جزء مني؟
أو ربما… لأنني أصبحت جزءًا منهم.

لا أعلم.

لكنني أعلم أن هذه… هي لغتي.
ومن خلالها تولد أجمل لغتي.
وتُسطّر على أوراقي،
التي أصبحت مرآةً صادقةً للكلمات،
التي تُصوّرها أفكاري.


موسيه العسيري