
يختزن المخلاف السليماني – ومن بين قراه العريقة الملحاء – صفحاتٍ مضيئة من تاريخ الوطن الكبير. فهذه البقعة الخصبة الواقعة على ضفاف وديان تهامة لم تكن بعيدة يومًا عن قلب الدولة السعودية، بل كانت شريكًا حاضرًا في مسيرة التوحيد والبناء. ومنذ بدايات القرن الرابع عشر الهجري، أخذت الملحاء تكتب حضورها في ذاكرة الوطن عبر مواقف رجالاتها واستقبالها لملوك وأمراء آل سعود الذين مرّوا بأرضها، فكانوا بين أهلها في السراء والضراء.
لم تكن تلك اللقاءات مجرد محطات بروتوكولية تُسجّل في دفاتر الزيارات، بل كانت لحظات إنسانية وتاريخية تركت أثرها العميق في القلوب، وعكست طبيعة العلاقة التي جمعت القيادة بالشعب: علاقة تقوم على الوفاء المتبادل، والاحترام، والتلاحم في مواجهة التحديات. فمن قدوم الملك فيصل على رأس الجيش السعودي، إلى زيارات الملك سعود والملك فهد، ثم لقاءات الأمراء في العقود اللاحقة، ظل المخلاف والملحاء حاضرَين في المشهد، شاهديْن على وحدة الكلمة والمصير.
١٣٥١هـ – دخول الجيش السعودي إلى المخلاف
في هذا العام دخل الجيش السعودي إلى منطقة المخلاف السليماني، مرورًا بـ الملحاء، إيذانًا بمرحلة جديدة من تاريخ المنطقة، وبدء مسيرة توحيدها تحت راية الدولة السعودية. وقد شكّل هذا الحدث الخطوة الأولى لربط المخلاف بكيان الوطن الكبير، ومهد الطريق لحضورٍ أوسع للملوك والأمراء في العقود التالية.
١٣٥٢هـ – الملك فيصل بن عبد العزيز
بعد عام واحد فقط، وصل الملك فيصل بن عبد العزيز –رحمه الله– إلى جازان على رأس الجيش السعودي لردع الإمام يحيى باليمن. وكان من أبرز رجالات الملحاء الذين انضموا للجيش آنذاك السيد حيدر بن محمد حيدر النعمي، والشريف أحمد بن أبي طالب عطيفة المثمي، لتبدأ مرحلة جديدة من الولاء والمشاركة الفعلية في ميادين التوحيد والجهاد.
١٣٧٤هـ – الملك سعود بن عبد العزيز
زار الملك سعود بن عبد العزيز –رحمه الله– جازان قادمًا بحرًا، فافتتح شبكة مياهها، ثم توجه إلى صبيا حيث استقبله المشايخ والأعيان. وأثناء مروره بالمخلاف، كان في استقباله الشيخ حيدر بن محمد النعمي وابنه محمد الزاهد على صهوة الخيل، فأمر بحفر البئر الملكية في الملحاء تخليدًا لهذه الزيارة التي ظلت علامة فارقة في الذاكرة المحلية.
١٣٨٣هـ – الملك فهد بن عبد العزيز
في عام ١٣٨٣هـ، زار الملك فهد –رحمه الله– صبيا يرافقه أمير جازان تركي السديري. وكان في استقباله الأمير مساعد العنقري، ووكيل الإمارة إبراهيم الخراشي، وعدد من المشايخ والأعيان. وكان من أبرز الحضور شيخ شمل المخلاف السيد حيدر بن محمد حيدر النعمي، تأكيدًا لمكانته القيادية ودوره في تمثيل الأهالي.
١٤١٦هـ – الأمير محمد بن تركي السديري
شهد عام ١٤١٦هـ زيارة أمير منطقة جازان آنذاك الأمير محمد بن تركي السديري إلى شيخ شمل الملحاء والمخلاف الشيخ محمد الزاهد النعمي في منزله بـ أم القضب، حيث تبادلوا الأحاديث حول شؤون الأهالي وهموم المنطقة.
١٤٢٢هـ – زيارة الأمير محمد بن ناصر
مع مطلع القرن الخامس عشر الهجري، زار صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن ناصر بن عبد العزيز شيخ شمل الملحاء والمخلاف الشيخ العابد بن محمد الزاهد النعمي في منزله بـ أم القضب، في تجديد لروح التواصل بين القيادة ومشايخ المنطقة.
١٤٣٣هـ – واجب عزاء
عاد الأمير محمد بن ناصر إلى الملحاء عام ١٤٣٣هـ لأداء واجب العزاء في شهداء الواجب من أبناء المنطقة، في موقف يجسد عمق الروابط الإنسانية بين القيادة وأهالي المخلاف.
١٤٤٥هـ – زيارتان متتاليتان
في عام ١٤٤٥هـ، جدّد الأمير محمد بن ناصر زيارته لشيخ شمل الملحاء والمخلاف في أم القضب، كما قام بزيارة أخرى لفضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عيسى رديف الشماخي في منزله بـ السلامة العليا، تأكيدًا لاهتمامه بمشايخ وعلماء المنطقة.
١٤٤٧هـ – حضور الجيل الجديد
شهد عام ١٤٤٧هـ حضورًا بارزًا من الأمراء:
زيارة الأمير عبد العزيز بن طلال لشيخ شمل المخلاف الشيخ العابد بن محمد الزاهد النعمي.
زيارة الأمير عبد العزيز بن خالد بن ثامر بن سعود بن عبد العزيز لجمعية الدعوة بقرى الملحاء والمخلاف في مكتبها بالمحلة، حيث كان في استقباله نائب شمل المخلاف الشيخ الزاهد بن العابد النعمي برفقة المشايخ والأعيان.
منذ ثلاثينات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، ظل المخلاف والملحاء محطةً يزورها الملوك والأمراء، ويستقبلهم فيها المشايخ والأعيان، في مشاهد تعكس وحدة الكلمة وعمق الانتماء. من البئر الملكية التي أمر بها الملك سعود، إلى مجالس المشايخ في أم القضب، يبقى التاريخ شاهدًا على أن العلاقة بين القيادة وأبناء المخلاف ليست علاقة عابرة، بل امتداد لجذور الولاء والوفاء عبر الأجيال.
بمناسبة اليوم الوطني السعودي 95
كتبه / الزاهد بن محمد الأمين النعمي
الثلاثاء ٢٣ سبتمبر ٢٠٣٥م
(0) التعليقات
تسجيل الدخول
لا توجد تعليقات