
✍🏼محمد الرياني
....وعدتُ أقلِّبُ الأوراقَ من جديد ، توجدُ من بينها ورقةٌ ضائعةٌ لم أجدها ، تضيعُ الأرواق -لامشكلة - إلا هذه الورقة ، فيها علامةٌ لا توجد في غيرها ، هي الورقةُ الوحيدةُ التي كتبتْها بخطِّ يدها ، كنا نرسم ونخطِّطُ ونرتبُ الأوراقَ ؛ الواحدةَ تلوَ الأخرى ، كانت تملي عليَّ وأنا أستمتعُ بصوتها العذب ، أحيانًا أدِّعي أنِّي لا أسمع ، أو لم أفهم ، تعيد الإملاءَ من جديد وأنا أكتبُ بتثاقلٍ ليطولَ الوقتُ ويستمرَّ كلامها ، قلت لها : عدد الصفحات يساوي عددَ سنين عمرك ، استفزها العمرُ وسكتتْ عند آخر صفحةٍ وكأنها لا تريد العمرَ أن يزيد ، وعندما أردتُ العودةَ لذلك اليوم الذي أملتْ فيه مشاعرَها لم أجد ورقتي معها ، اختصرتُ مشاعري وأوجزتُها في صفحةٍ وتركتُ لها حريَّةَ البوح ، سألتُها وكأنَّها تعي مغزى السؤال !
أجابتْ بأنَّ الورقةَ المفقودةَ في سجلٍّ آخر ، عليكَ أن تضيفَ إليها من وحيِ كلامكَ أوراقًا أخرى ، اقتربتْ أكثرَ ففتحتُ خزينةَ كلامي ، كانت تكتبُ والحروفُ تقفزُ من فمي نحوَها بلا توقف ، قالت كفى ! يبدو أنَّ عددَ أوراقك سيغلبُ عددَ أوراقي ، قلت لها باسمًا : اجمعي الأوراقَ وانثري على سطورِها من عبَقِ السنين ، سيأتي علينا يومٌ نتذكر أننا أضعنا ورقةً أو كتبْنا من جديدٍ سيرةَ اثنين يكتبان بجنون ؛ قالت بحياء : بل توجدُ أوراقٌ بلا كتابةٍ تنتظرنا ، أردتُ أن أبوحَ من جديد ، رفعتْ كفَّها تشيرُ أن أصمت ، قالت : انتظر مجيءَ الأيامِ القادمةِ ولا ترهقِ الحروف ، دعها تأتي كي تنثرَ على الورقِ شذى حروفِ الأمس .
(0) التعليقات
لا توجد تعليقات