✍️ ملهي شراحيلي
أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مزحة جديدة، كعادته دائماً، ولكن هذه المرة يبدو أن المزحة بدأت تتحول تدريجياً إلى حقيقة واقعية تفرضها المصالح القومية للولايات المتحدة الأمريكية، بحسب ترامب شخصياً، عندما أكد ذلك في تصريحاته العلنية حين قال:
نحن بحاجة إلى جرينلاند لأغراض الأمن القومي الأمريكي.!!!
ولأن الترامب من النوع الذي يصعب التنبؤ بتصرفاته، ناهيك عن التحقق من تصريحاته، لأنه ببساطة يجيد التمويه وقادر على مخادعة ليس وسائل الإعلام فقط، ولا خصومه، بل وحتى فريق عمله ومستشاريه، فلا غرابة أن تتحول تصريحاته التي تأتي غالباً على شكل مزاح، إلا مواد إعلامية تشعل، ليس فقط مواقع التواصل الإجتماعي، والقنوات الإخبارية، بل أنها تصبح الشغل الشاغل لصناع السياسية في شتى بقاع العالم.
والغريب في مزحة ترامب الأخيرة حول جزيرة جرينلاند، أنها جاءت بعد مزحة تخص كندا!!.
فقبل مزحة جزيرة جرينلاند، كان ترامب قد أطلق مزحة لرئيس وزراء كندا، قبل أن يستقيل الأخير من منصبه، حول إمكانية أن تنضم كندا للولايات المتحدة الأمريكية لتصبح الولاية رقم ٥١ من ولايات أمريكا!!.
ولم يتوقف مزاح ترامب، عند هذا الحد، بل أنه غير اسم خليج المكسيك إلى خليج أمريكا!!!. في تلميحة صريحة إلى إمكانية ضم المكسيك إلى الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً.
وفي مزحة أخرى، وإن كانت تبدو أكثر جدية، صرح ترامب، بأن الولايات المتحدة الأمريكية لابد أن تضع يدها على قناة بنما!!.
في ظل هذه التصريحات الإعلامية والتلميحات السياسية، يتبادر السؤال الذي يطرح نفسه الآن، وهو:
هل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، جاد في طرحه هذا بضم كندا والمكسيك وجزيرة رينلاند، والسيطرة على قناة بنما، أم أن الأمر مجرد دعابة سياسية على شكل مزحة ترمبية؟!؟
من وجهة نظري الشخصية أن المعطيات على أرض الواقع، تسير نحو المواجهة الحتمية بين الكتلة الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والكتلة الشرقية بقيادة الصين وروسيا، وبما أن هذه المناطق (المكسيك، كندا، وجزيرة رينلاند) تعتبر العمق الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، وأي تواجد فيها للصين أو روسيا يعتبر تهديد مباشر للولايات المتحدة الأمريكية، وعليه فإن كلام ترامب، وإن كان ظاهره مزاح إلا أنه ينم عن مخاوف أمريكة عميقة.
ومما يؤكد أهمية هذه المناطق، الردود الروسية على تصريحات ترامب، فقد أكد الكرملين، يوم الخميس، أنه "يتابع عن كثب الكلام اللافت" للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، الذي هدد بضم منطقة جرينلاند الدنماركية الواقعة في القطب الشمالي حيث لروسيا مصالح كبيرة هناك!!!.
وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف: "القطب الشمالي منطقة لمصالحنا الوطنية. نتابع عن كثب التطور اللافت الذي يبقى لحسن الحظ حتى الآن عند مستوى التصريحات".
وقال بيسكوف، لوكالة "تاس"، خلال مؤتمر صحافي، إن روسيا تؤكد على ضرورة السلام والاستقرار في منطقة القطب الشمالي وتعتبرها ضمن نطاق مصالحها الوطنية والاستراتيجية، مؤكداً أن موسكو مستعدة للعمل مع جميع الدول لتحقيق هذه الغاية.
وعلق "بيسكوف" على مطالب الولايات المتحدة بضم كندا وجرينلاند: "نحن موجودون في منطقة القطب الشمالي، وسنستمر في التواجد هناك".
وأضاف بيسكوف: "نحن مهتمون بالحفاظ على أجواء السلام والاستقرار ومستعدون للتعاون مع جميع دول العالم".
هذا وقالت السفارة الأميركية في كوبنهاغن، يوم الخميس، إن الولايات المتحدة ليس لديها خطط حاليا لزيادة وجودها العسكري في جرينلاند، وذلك بعد أن عبر الرئيس ترامب، عن اهتمامه المتجدد بالسيطرة على الجزيرة الكبيرة الواقعة في القطب الشمالي.
ولا يخفى على القارئ الكريم، أن ضم جزيرة جرينلاند، للولايات المتحدة الأمريكية، ليست فكرة حديثة، ولا جديدة!!.
في ستينيات القرن التاسع عشر فكّر أندرو جونسون، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك، في شرائها!.
وفي عام ١٩٤٦م، عرض الرئيس الأمريكي هاري ترومان، على الدنمارك ١٠٠ مليون دولار لشراء جرينلاند!!.
أما ضم كندا والمكسيك والسيطرة على قناة بنما، فهي من (فهلوات) ترامب السياسية، ولكن إذا ما استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية، أن تضم جزيرة جرينلاند، سواءً بالطرق السلمية أو حتى العسكرية، فضمها لكندا والمكسيك وقناة بنما، أبسط.
إن النظرة الشمولية لترامب، وإن كانت ضبابية، إلا أنها في مجملها لا تعترف بالحدود الجغرافية ولا حتى السياسية للدول، بعبارة أخرى:
أن ترامب، يرى أن أمن الولايات المتحدة الأمريكية أبعد من حدودها، ولكي يستطيع الدفاع بأريحية عن أمريكا، فإنه لا بد من السيطرة على المناطق التي يرى أنها تهدد الأمن القومي الأمريكي، بغض النظر عن المكتسبات الاقتصادية التي سوف تجنيها الولايات المتحدة الأمريكية من خلال السيطرة على الموارد التي تمتلكها تلك المناطق.
ومع أن ضم جزيرة جرينلاند، فيما لو تم سوف يشكل سابقة دولية، إلا أن ترامب، لن يعجز في إيجاد مبررات قانونية، لاسيما وأن روسيا قد تجاوزت حدودها المعترف بها، وسطت على أجزاء واسعة من أوكرانيا!!!.
كما أن الصين (من وجهة النظر الأمريكية) تخطط للاستيلاء على تايوان، فما المانع الذي يمنع الولايات المتحدة الأمريكية من ضم جزيرة جرينلاند وكندا والمكسيك؟!؟
قال الشاعر الأيوبي، محي الدين بن عربي:
ولولا حدود الشيء ما امتاز عينه
ولولا حدودي ما عرفتُ حدودي
لقد عشتُ أيّاماً بغير منازعٍ
ولم أكُ محسوداً لغير حسودِ.
MelhiSharahili@gmail.com
(0) التعليقات
لا توجد تعليقات