✍🏼 ملهي شراحيلي
بينما أنا أهم بكتابة هذه المقالة تواردت أنباء عن دخول الفصائل السورية المعارضة (الثوار) مدينة حمص، وسط ذهول الجميع لتطورات الشأن السوري، ودراماتيكية الأحداث التي تجري هناك.
فخلال الأسبوع الماضي، اجتاحت "هيئة تحرير الشام" ومعها فصائل أخرى أكبرها "الجيش السوري الوطني" و"كتائب أحرار الشام"، محافظة حلب في عملية "ردع العدوان"، وسيطرتهم على ثاني أكبر المدن السورية التي سقطت بيد نظام بشار الأسد عام 2016، وكانت الجبهات تعيش حالاً من الهدوء الهش والحذر منذ ما عُرف بـ "اتفاق أستانا" الذي رعته روسيا وتركيا وإيران عام 2017.
إن الاجتياح السريع والانسحاب الأسرع لقوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية المساندة له تذكرنا بما جرى في الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، عام 2014 حين اجتاحت "داعش" المدينة خلال ساعات وانسحب الجيش العراقي بسرعة هائلة وبأوامر مباشرة من رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي.
والحال يتكرر الآن في سوريا، التي تتشكل خريطتها، وتتبدل في كل ساعة!!
فبعد سقوط حماة في أيدي الثوار، انحسرت المناطق الخاضعة لسلطة بشار الأسد، لاسيما وأن حماة تتوسط سوريا، وتربط بين جهاتها الأربع: شرق - غرب - شمال - جنوب. وتكتسب أهمية عسكرية، كونها تضم مقرات عسكرية وأمنية حساسة، منها مطار حماة العسكري، ورحبات عسكرية، ومستودعات أسلحة، وألوية للجيش ومدارس، مثل «مدرسة المجنزرات»، عدا فرع الأمن العسكري.
وبينما أقرّ الجيش السوري، في بيان، يوم الخميس، بخسارة المدينة، وتموضع قواته خارجها. أعلن الثوار مساء اليوم الجمعة، أنهم على مشارف حمص!!!
وإذا ما كانت لحماة أهمية سياسية ورمزية حساسة، كونها مدينة غالبيتها العظمى من المسلمين السنة، فما بالك بحمص!!!
لقد انطلقت من حماة، عام 1982 أكبر التحركات المناهضة لنظام حزب «البعث» منذ تسلمه السلطة في الستينات، وتعرضت حينها لحملة عسكرية، جرى خلالها قتل وتشريد عشرات الآلاف من سكانها، في حدث ظل حياً في الذاكرة الجمعية، وكان له الدور الأبرز في انضمام حماة عام 2011 للاحتجاجات الشعبية على نحو واسع النطاق، قبل أن يتم إخماد الحراك والتحول نحو الصراع المسلح.
لقد حقق الثوار بسيطرتهم على حماة، ليس نصراً عسكرياً وسياسياً ومعنوياً فحسب، بل أنهم بسيطرتهم على حماة صنعوا واقعاً على الأرض يصعب تجاوزه. فسقوط حماة يعني قطع الشريان الإيراني الذي يمد بشار الأسد، وحزب الله، بالأسلحة والمقاتلين من إيران والعراق.
لكن ماذا لو سقطت حمص بأيدي الثوار؟!؟
حقيقة الأمر أن دمشق العاصمة على وشك السقوط، وليس حمص فقط، وكل المعطيات على الأرض تؤكد ذلك، والمسألة مسألة وقت ليس أكثر.
لكن سقوط حمص القريب جداً سيكون كارثة من كبرى الكوارث التي ستهدد الأمن القومي على صعيد سوريا بأكملها، وسيكون لها أثر يضاهي تداعيات سقوط حلب وحماة، فحمص تحظى بجملة امتيازات جغرافية وسياسية تجعل من سقوطها بمثابة الكارثة.
وحمص واحدة من أغنى المدن السورية تنوعاً ديموغرافياً، إذ يتشاطر المسيحيون بطوائفهم مع المسلمين من سنة وعلويين وإسماعيليين وشيعة ومرشدين وقلة قليلة درزية وقوميات كبرى من عرب وشركس وتركمان وأقليات من أكراد وأرمن وسريان وآشوريين، وغيرهم.
واجتماع تلك المذاهب والطوائف والقوميات يجعل أول رصاصة في حمص مقرونة بحمام دماء كما حصل في سنوات 2012 و2013 على وجه الخصوص، وهو ما يعيه أهل المدينة جيداً، وتعيه المعارضة كذلك، المعارضة التي تحتاج بيئة حاضنة لتتمكن من إنجاز مهام دخولها وإعلان سيطرتها على حمص.
لقد كانت حمص، خلال سنوات الحرب، عاصمة "الثورة"، وكانت تشكل الأحياء المعارضة داخلها نقطة ارتكاز دولي يحظى بأحاديث زعماء وقادة من الصف الأول في مختلف دول العالم، واستمرت الحال كذلك حتى استعادها النظام فعلياً عام 2014 خلال المرحلة الأولى عبر تسوية حمص القديمة، ونهائياً عبر استعادة آخر الجيوب في حي الوعر عام 2018، وما بينهما من مئات السيارات المفخخة التي ضربت عمق الأحياء الآمنة ومعها آلاف الصواريخ والمدافع التي ضربت المدينة فقتلت عشرات الآلاف وأحالت نحو 70 في المئة منها دماراً.
وإذا ما تساءلت أخي القارئ الكريم:
لماذا يعد سقوط حمص كارثة فعلية؟!؟
فأولاً: لأنها تعد واحدة من الخزانات البشرية الأكبر الداعمة للنظام السوري عبر وجود مئات الآلاف من داعميه فيها وفي ريفها.
ثانياً: سقوطها بيد الثوّار يعني ضرب شبكة المواصلات المركزية في البلاد وقطع الطريق ومحاصرة دمشق، إذ إن حمص تتحكم بمجمل الطرق الدولية من حلب وحماة والسلمية واللاذقية وطرطوس نحو دمشق.
أما ثالثاً: فهو أن حمص كمحافظة هي الأكبر في سوريا، وهي نقطة الارتباط مع الحدود العراقية شرقاً والحدود اللبنانية غرباً بمعابر عدة، ما يعني فقدان طرق الإمداد العسكري لحلفاء دمشق.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، لاسيما في ظل المعطيات على الأرض:
ماذا بعد حِمص؟!؟
يعتقد البعض أن الساحل السوري الذي يضم محافظات طرطوس واللاذقية، سوف يظل تحت سيطرة بشار الأسد!!
ولن يصل إليه الثوار، وسيبقى محكوماً من قبل النظام الحالي، وإن كان هذا الاعتقاد مبني على اتفاقيات سابقة بين المعنيين من كل الأطراف كما يزعم البعض، إلا أن سقوط حمص، سوف ينسف كل الاتفاقيات السابقة مع النظام، وكما قال أبو محمد الجولاني، بعد سقوط حماة:
"سوريا بعد سقوط حماة، لن تكون كما كانت قبلها."
وهذا ينطبق على سقوط حمص لاحقاً، مما يعني أن الخريطة السورية بعد سقوط حِمص المرتقب، لن تكون كما كانت قبل سقوط حمص.
ورغم أن الساحل السوري ظل طيلة الأعوام الماضية داعماً للنظام، ولم تتمكن المعارضة لحد الآن من استمالته لصفها، إلا أن سقوط حمص، ثم سقوط دمشق، تالياً، سوف يجبر الساحل السوري على الالتحاق بالمعارضة.
لاسيما إذا حافظت المعارضة على نهجها وتحسين صورتها في المناطق التي تحت سيطرتها.
أما نظرية الدويلات وتقسيم سوريا لعدة دول فهذه وإن كانت موجودة فعلياً على أرض الواقع منذ بدأ الثورة السورية إلا أن بقاءها بعد سقوط دمشق مستبعد، حتى في ظل المعارضة المنقسمة، ورغم التدخلات الخارجية.
وفي كل الأحوال، ليس أمامنا سوى الإنتظار إلى أن يتم الثوار سيطرتهم على كامل سوريا، وبعدها لكل حدث حديث.
MelhiSharahili@gmail.com
(0) التعليقات
لا توجد تعليقات