✍🏼 ملهي شراحيلي
تُعَدُّ الإدارة العمود الفقري للعلوم الإجتماعية، وهي الركيزة الأساسية، في أي منظمة، ولأي مشروع، ولا غنى للمجتمعات عنها، ولايمكن للأفراد العيش بدونها!!!
ذلك لأن إدارة الذات لا تقل أهمية عن إدارة المنشآت، وإدارة الحشود وتنظيم الفعاليات، لا تقل أهمية عن إدارة المشاعر والسيطرة على الانفعلات، وكل هذه المسميات وإن اختلفت أوصافها، وتعددت دلالاتها فإن الإدارة تجمعها، إذ تمثّل التوازن الدقيق بين العلم والفن، بين التخطيط الصارم والقدرة على التكيف، في عالَمٍ يتسارع فيه التغيير.
من هنا تبرز أهمية الإدارة في تمكين الأفراد، وتحقيق الأهداف، بالإضافة إلى استدامة النمو.
ولذا فإن الاستثمار في تطوير المهارات الإدارية ليس خياراً، بل ضرورة حتمية، ليس لتمكين المؤسسات من الصمود في وجه التحديات واغتنام الفرص الجديدة، ولتظل على الدوام في طليعة المنافسة، فحسب، بل وللأفراد لكي يتمكنوا من النمو والارتقاء، ليس في مناصبهم الإدارية ومواقعهم القيادية فحسب، بل وفي حياتهم الشخصية العلمية والعملية.
مما سبق يتضح أن الإدارة: هي عملية تحقيق الأهداف المرسومة بالاستخدام الأمثل للموارد المتاحة، وفق منهج مُحدّد، وضمن بيئة معينة، وهي أيضاً عملية التخطيط والتنظيم والتنسيق والتوجيه والرقابة على الموارد المادية والبشرية للوصول إلى أفضل النتائج بأقصر الطرق وأقل التكاليف المادية. وتعتبر الإدارة من أهم الأنشطة الإنسانية في أي مجتمع، على أساس اختلاف مراحله، تطوره، وذلك لما للإدارة من تأثير علي حياة المجتمعات لارتباطها بالشؤون الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية. ولأن الإدارة هي التي تقوم بجمع الموارد الاقتصادية وتوظيفها لكي نشبع بها حاجات الفرد والجماعة في المجتمع. فبالإدارة يصنع التقدم الاجتماعي، وعليها تعتمد الدول في تحقيق التقدم والرخاء لمواطنيها، والإدارة الناجحة هي الأساس في نجاح المنظمة وتفوقها على منافسيها.
في إدارة الأعمال (على سبيل المثال)، تعرف الإدارة بأنها: عملية التخطيط، والتنظيم، والتوجيه، والتنسيق، ودعم العاملين، وتشجيعهم، والرقابة على الموارد المادية والبشرية، بهدف تحقيق أقصى النتائج بأفضل الطرق وأقل التكاليف، والجدير بالذكر أن هذه العملية تتطلب تكامل مجموعة من الوظائف الرئيسة، لضمان تحقيق الأهداف المحددة للمنظمة.
أما مفهوم الإدارة من منظور العلماء، فهناك العديد من التعاريف التي قدمها العلماء على مر العقود، والتي تركز على جوانب مختلفة من العملية الإدارية، ويمكن اختصار بعضها فيما يلي:
فردريك تايلور (Frederick Taylor)
يركز تعريف تايلور على الدقة والفعالية في تنفيذ المهام، ووفقًا له، فإن الإدارة تعني تحديد ما يجب على العاملين القيام به، ثم التأكد من أنهم يقومون بتنفيذ هذه المهام بأفضل وأبسط الطرق، وهذا يشير إلى أهمية التخطيط المسبق، والإشراف على سير العمل، لضمان تحقيق الكفاءة.
رالف دافيز (Ralph Davis)
دافيز يعرّفها بأنها عمل القيادة التنفيذية، ومن خلال هذا التعريف، يُنظر إليها على أنها عملية تتعلق بالقيادة والتوجيه لتحقيق أهداف المنظمة.
هنري فايول (Henri Fayol)
بالنسبة لفايول، الإدارة هي القدرة على التنبؤ بالمستقبل والتخطيط بناءً عليه، إلى جانب التنظيم وإصدار التعليمات وتنسيق الأنشطة والمراقبة، وهذا يشير إلى الطبيعة الشمولية للإدارة كعملية متكاملة تتطلب رؤية مستقبلية، وقدرات تنظيمية متميزة.
ليفنجستون (Livingstone)
يعرفها ليفنجستون بأنها الوظيفة التي تتيح الوصول إلى الهدف بأفضل الطرق، وأقلها تكلفة، وفي الوقت المناسب باستخدام الإمكانيات المتاحة، والجدير بالذكر أن هذا التعريف يبرز أهمية الكفاءة والفعالية في استخدام الموارد.
لاشك أن القارئ الكريم، يلحظ من هذه التعاريف المتعددة للإدارة، وإن اختلفت كلماتها، فإنها تتفق على ذات المعنى، وليست هذه الأوصاف والتعاريف المتعددة سوى دلالة على المفهوم الواسع للإدارة وشموليتها، ناهيك عن أهميتها ومكانتها بين العلوم الإنسانية.
والقضية التي لايختلف عليها اثنان، ليس مسمّى ولا معنى الإدارة، وإنما تطبيقها!!
يقول الفيلسوف الإداري، الدكتور غازي القصيبي:
"إن محاولة تطبيق أفكار جديدة بواسطة رجال يعتنقون أفكار قديمة هي مضيعة للوقت و الجهد".
ومما يؤثر عنه رحمه الله، عند استلامه وزارة الصحة، قوله:
"تبيّن أن المراكز القيادية في وزارة الصحة لم تتغير عبر أكثر من ربع قرن رغم تغير الوزراء المتكرر ، كانت مشكلتهم أنهم تعودوا على الحركة البطيئة عبر السنين حتى فقدوا القدرة على الحركة السريعة ، لم تكن مشكلتهم أنهم كانوا يفتقرون إلى النزاهة أو الكفاءة أو الإخلاص . كانت المشكلة أنهم درجوا على نهج معين من التفكير و من الصعب عليهم أن يغيروه.
وأنا هنا أقول ما أشبه الليلة بالبارحة!!.
فمن وجهة نظري الشخصية، وبصفتي أحد الممارسين الصحيين، وأحد العاملين في مجال الرعاية الصحية الأولية منذ مايزيد عن ربع قرن، أستطيع القول أن الأفكار والرؤى التي تتبناها المراكز القيادية في شركة الصحة القابضة والتجمعات الصحية حالياً، هي نفس الأفكار والرؤى التي كان عليها أصحاب المراكز القيادية في وزارة الصحة سابقاً، مما يعني أن وصف القصيبي، لوزارة الصحة آنذاك، ينطبق على وصف الصحة حالياً، مع فرق الأسماء فقط.
صحيح أن كثير من الخدمات والبرامج الصحية أضيفَتْ مؤخراً، ولكن في المقابل لم نلمس كعاملين في مجال الصحة، وممارسيين صحيين أي تغيير!!.
أعود للدكتور غازي القصيبي، في جزئية أخرى، وهي قوله:
"إذا كنت لا تستطيع أن تتحمل مسئولية الخطأ الذي يرتكبه أحد العاملين معك فمن الأفضل أن تبقى في دارك."
ثم يفصّل:
إذا كان المدير يتلقى، راضياً مسروراً، المديح عن كل إنجاز، فعليه أن يتقبل، راضياً المسئولية عن كل خطأ، فالمدير الذي ينسب النجاح إلى شخصه ويعلق الفشل في رقبة الموظف الصغير المسكين يستحيل أن يحظى بثقة العاملين معه . بعد حين يخاف العاملون معه أن يعملوا خشية الخطأ فلا يعملون شيئا وينعدم الإنجاز .الولاء طريق ذو خطين، و ما أكثر المسئولين الذين يتوقعون الولاء من مساعديهم دون أن يكونوا على استعداد لمقابلة الولاء بالولاء."
ومن نصائحه في الإدارة: "أعـطهم حافزاً يعطونك عملا". إنك لا تستطيع أن تجعل الآخرين ينفذوا ما تريد أن ينفذوه، ويمتنعوا عما تريد أن يمتنعوا عنه إلا عن طريق ثلاثة دوافع "الحب والاحترام والرغبة والثواب والخوف والعقاب".
موضحاً أن الإداري الناجح هو من يستطيع إدارة الاجتماعات بنجاح، وليتم ذلك لابد من التعرف على سر النجاح في قيادة المجالس "الاجتماعات" وهناك أمران سهلان صعبان، التحضير الكامل واحترام مشاعر الأعضاء ورغباتهم، وهناك ثلاث صفات لا بد من توفرها في القائد الإداري الناجح وهي: الحكمة والشجاعة والقدرة على اتخاذ القرار."
وهنا أتساءل، ماهي الحوافز التي قدمتها شركة الصحة القابضة لمنسوبيها؟!؟
ولو على أمل:
ماهي الحوافز التي سوف تقدمها الصحة القابضة لمنسوبيها؟!؟ لا سيما في ظل الإنفجار الإلكتروني للبرامج الصحية، مما يضيف عبء على الممارس الصحي.
ولكن وبما أن شركة الصحة القابضة لم تُحكم قبضتها بعد على جميع المرافق الصحية ومن فيها، ماذا قدمت التجمعات الصحية لحد الآن لمنسوبيها؟!؟
أنا هنا لا انتقد، وإن كان من أبسط حقوقي أن أنتقد، ولكن أتساءل فقط، في فضفضة إدارية.
ومما يؤثر عن القصيبي، رحمه الله:
"إنني أعتقد أنني نشأت وفي أعماقي إحساس كامن بأن السلطة بلا حزم، تؤدي إلى تسيب خطر، وإن الحزم بلا رحمة، يؤدي إلى طغيان أشد خطورة".
إن من البديهيات الإدارية، عندما يشعر الموظف والعامل بقيمته وأهميته في المؤسسة التي يعمل بها، واقترابه من رئيسه واعتزازه بالعمل معه سوف يجعله يخلص في عمله، ويقدّم أحسن مايمكنه من الإنتاج سواءً في خدمة الناس أو الزبائن أو تصنيع المنتج الذي يقوم بإنتاجه. تلك القيمة الشخصية تحفّز العامل والموظف للقيام بأعماله على أحسن مستوى، غير عابئٍ بترقية أو علاوة مادية، شعوره الشخصي بالانتماء إلى هذا المدير وإلى هذه المؤسسة هي أكبر الدوافع على رضاه النفسي واستقراره في العمل وكذلك توازنه العائلي.
إن النهضة المباركة التي تنعم بها مملكتنا الحبيبة، في ظل القيادة الرشيدة والرؤية السديدة، انعكست على كافة الأصعدة وطالت جميع القطاعات، وعلى رأسها وزارة الصحة، وماينعم به المواطن والمقيم حالياً من خدمات صحية راقية، تحتاج من شركة الصحة القابضة، والتجمعات الصحية، ليس المحافظة عليها فحسب بل الارتقاء بها، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال الارتقاء بالعاملين عليها وليس إلى ذلك سبيل إلا بتغيير الأفكار وليس المسميات والمناصب والأشخاص، لاسيما ونحن في زمن القفزات، فلم تعد الخطوات تجدي نفعاً، ولا المهدئات الإدارية ذات قيمة، في عالَمٍ متسارع لا يعرف التوقف، تصبح القرارات أكثر تعقيداً والتحديات أكثر حدة، تتجلّى الإدارة كفنٍّ وعلمٍ يمتزجان لقيادة المؤسسات نحو النجاح، فهي القوة الخفية التي تحرك عجلة التقدم، وتهندس الطريق نحو الأهداف المنشودة، فما بين سطور الرؤية الاستراتيجية وخيوط التخطيط التكتيكي، تنبثق أي إدارة لتبني جسوراً من التواصل، وتزرع بذور الإبداع في تربة الطموح، لكي تصبح رحلة التحول الصحي، رحلة تستحق الاستكشاف، لأنها ليست مجرد وسيلة لتحقيق غايات، بل هي قلب ينبض بالحياة داخل كل منظمة ناجحة.
MelhiSharahili@gmail.com
(0) التعليقات
لا توجد تعليقات