✍️ ملهي شراحيلي
بحسب التقاويم الفلكية، وعلى رأسها تقويم أم القرى، يدخل يوم الأحد ١١ أغسطس، المصادف ٧ صفر من عامنا هذا ١٤٤٦هـ ،موسم الكليبين، نوء النثرة، وهو سادس منازل الصيف.
وكما هو معلوم فقد قسّم علماء الفلك السنة إلى أربعة فصول:
الصيف، الخريف، الشتاء، والربيع.
ووضعوا لكل فصل سبع منازل، وسمّوها منازل القمر، وعددها ٢٨ منزلة لكل منزلة منها ١٣ يوم، ماعدا منزلة الجبهة فإن عدتها ١٤ يوماً.
وهذه المنازل قسّمت إلى ١٢ موسم.
(موضحة في الصورة المرفقة)
والحديث هنا عن منزلة النثرة، أو موسم الكليبين، الذي يسميّه أهل البادية بمرخيات القلايد.
وسبب تسميته بهذا الإسم يعود إلى جمع القلائد ومفرها قلادة، وكانت تُعلّق على أعناق الإبل للزينة، وهي ترتخي في هذا النجم من شدة العطش فتُشد مجدداً.
وقد جاء ذكر القلائد في قوله تعالى:
{وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ}
والقلائد هى نوع خاص من أنواع الهدي الذي يُفتل له (قلائد) من الإبل وغيره. قال راشد الخلاوي رحمه الله :
قضى القيظ عن جرد السبايا ولا بقي
من القيظ إلا مرخيات القلايد.
وجرد السبايا هي الخيل، و الخيل تُترك وقت القيظ تستريح لشدة حرِّه حتى إذا اعتدل الزمان جاء وقت كثرة استخدامها وينتهى حقهن من الراحة وبدأ حق أصحابهن بركوبهن، وقطع الفيافي والمرتفعات، والمسافات البعيدة.
وقول الخلاوي، رحمه الله: ولا بقى من القيظ إلا مرخيات القلايد، يقصد أنه لم يبق من القيظ إلا آخره الذي يسمى مرخيات القلايد.
ومرخيات القلايد هي أيام الكليبين. وسبب التسمية أن هذه الأيام شديدة الحر، إذا صدرت فيها الناقة العشراء عن البئر مرتوية فإنها لاتعود نهار غبِّها إلا وقد ضمر بطنُها ورقبتُها من العطش، وارتخت قلائدها، المشدودة عليها، فنزلت إلى أسفل رقبتها، والغالب هو أن ترد الإبل الماء يوماً وترعى آخر.
ولهذا الموسم وصف آخر يوصف به "بمحننات الجمل"، أي أنَّ الجمل يحنّ فيها إلى شرب الماء بسبب شدة الحرارة. ويقال”ما بين سهيل والمرزم، نجم ييبس غزير الجَم”
ويقصدون نجم الكليبين، وسمّي الكليبين من الكَلِب، وهو شدة الجَدب والجفاف.
قال راشد الخلاوي رحمه الله :
ونجوم الكليبين التي تنشف الجَم
يغور فيها ما العدود الوكايد.
ونجم النثرة آخر نجوم القيظ ومدته ١٣ يوماً، تبدأ من 11 أغسطس إلى ٢٣ منه، وفيها تهب الرياح الشمالية الشرقية وتتخلق السحب من الشرق إلى الغرب وتكون الرطوبة مرتفعة خصوصا سواحل الخليج العربي، وتهدأ العواصف الرملية، وينتهي موسم الغُبرة في جازان.
وتغور المياه ويبرد باطن الأرض ويتلطّف الجو ليلاً في المناطق الصحراوية خاصة الشمال.
والحديث هنا عن المظاهر الفلكية في موسم الكليبين، على وسط وشمال المملكة، والأجزاء الداخلية من الجزيرة العربية، أما جنوب وجنوب غرب المملكة كما هو الحال في جازان، وسلطنة عُمان واليمن، فالمظاهر الطبيعية تختلف.
إذ يتوافق موسم الكليبين مع اخضرار الأرض وجريان السيول والغيول في الأراضي الزراعية والأودية، وانخفاض درجات الحرارة، واعتدال الأجواء ليلاً.
وبالعودة للحديث عن موسم الكليبين، ونجم النثرة، قالت العرب قديماً:
إذا طلعت النثرة احمّرت البسرة، وجني النخل بُكرة وآوت المواشي حجرة، ولم تترك في ذات در قطرة، ويوشك أن تظهر الخضرة.
في هذا الموسم تزداد الرطوبة ويبدأ نضوج الرمان ويبدأ فيه شتل الطماطم والفلفل والباذنجان والبصل. وتُشاهد بعض الطيور المهاجرة مثل الهدهد والدخل والصفارة، ولا تبرح المواشي أماكن الظل، ويخلو الحليب منها وينقطع في هذه الفترة.
وكانت العرب قبل الإسلام تفضّل إبرام عقود الزواج فيه، لاعتقادهم أنّ عقد الزواج في هذا النوء حميد!.
ومن أهم الملاحظات الفلكية أن دخول المواسم الفلكية ومنها موسم الكليبين، يتأخر في وسط وشمال الجزيرة العربية عنه في جنوبها، ولذلك فإن المظاهر الفلكية مثل انخفاض درجات الحرارة، وظهور الخضرة، تبدأ في جنوب الجزيرة العربية، مع موسم المرزم، أي قبل دخول موسم الكليبين.
ولذلك تختلف الظواهر الطبيعية التي تشهدها سلطنة عُمان واليمن وأجزاء من جنوب وجنوب غرب المملكة، عن باقي مناطق المملكة خاصة وسطها وشمالها.
ويكون ذلك أكثر وضوحاً عند رصد نجم سهيل، حيث يمكن لسكان جازان رؤيته، على الأفق الجنوبي الشرقي قبل نهاية أغسطس وتحديداً بين ٢٤ و٢٨ بينما لايمكن رؤيته بالعين المجردة في الكويت مثلاً قبل السادس من سبتمبر.
ومن المظاهر الطبيعية التي يمكن ملاحظتها في موسم الكليبين، تقدم وقت صلاة المغرب، وتأخر الفجر، مما يعني بدأ زيادة طول وقت الليل، وقصر النهار.
ويمكن في هذا الموسم مشاهدة طلائع الطيور المهاجرة.
وموسم الكليبين، (نجم النثرة) من المواسم المطيرة بمشيئة الله تعالى، وتتميز أمطاره عن غيره من الأنواء بحبات مطر كبيرة الحجم مما يجعل لها صوتاً على الأرض عند تساقطها.
وغالباً تتساقط أمطار خفيفة متقطعة في الليل، يعتبرها الأولون تباشير سهيل، ويسمّوها أمطار الطرف، نسبةً إلى منزلة الطرفة وهي المنزلة التي تتبع النثرة مباشرة، وهي أولى منازل سهيل.
قال راشد الخلاوي، رحمه الله:
ونجوم الكليبين التي تنشف الجم
يَغُور فيها مَا الْعُدُوْدَ الوكايد
وإلى غَابْتَ النَّسْرِينَ بالفَجْر عَلِقَوْا
مَخَارْفِ فِي لَيِّناتَ الْجَرَايد
وإلى مَضَى عُقْبَهُ ثَمَانِ مَعَ أَرْبَعْ
الخَامْسَة طَالع سُهَيْل يُحَايــد
تَشُوْفِه كَقَلْبَ الدِّيبُ يَلْعَجْ بْنُوره
مويقِ عَلَى غِرَّات حِذب الجَرَايد
وإلى مَضَى وَاحِدٌ وخَمْسِين ليله
فَلا تَامْنَ المَا من حَقُوق الرّعَابِدُ
قَضَى القَيْظُ عَن جِرْدَ السَّبَايا ولا بَقِى
من القيظ إلا مُرْخِيات القلايد.
MelhiSharahili@gmail.com
(0) التعليقات
لا توجد تعليقات