المقالات

التربية في القرآن الكريم 

التربية في القرآن الكريم 

✍🏼د سعود السويهري 

 

كلمة "رب" مشتقة من "التربية" الّتي تشمل معان عديدة، منها العناية والرعاية والإصلاح، فالله سبحانه وتعالى هو المرّبي للإنسان من خلال رسالاته السماوية الّتي تدعو لكل ما فيه خير، لجعل الإنسان أهلًا لمسؤولية إعمار الأرض الّتي استخلفنا الله فيها. وقد كان نبيّنا الكريم المرّبي الأول للأمة بالقرآن، فعمل على خلق ثورة فكرية وتربوية، فقال الفيلسوف الفرنسي "غوستاف لوبون" في كتابه حضارة العرب: "أخذ علماء الغرب يُنصفون محمداً مع أن التعصّب الديني أعمى بصائر مؤرّخين كثيرين عن الاعتراف بفضله!." ومن مسؤوليتنا الأساسية أن نعمل على استعادة دور القرآن الكريم ومكانته في حياتنا وحياة أبنائنا، على المستويين الفردي والجماعي، من خلال تمكين القرآن في حياتنا والعمل به، وغرس قيمه التربوية عبر المؤسسات التي تُلقى على عاتقها مسؤولية التربية.

ومن أبرز خصائص التربية في القرآن الكريم:

1- ربانية المصدر والغاية: فمصدرها من الله عزّ وجل خالق الإنسان، والأعلم بدهاليز نفسه، ولا يوجد إرشادات أدقّ من إرشادات الصانع فيما صنع . فقال تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ). الإسراء-9. ووجوده لا يمنع الإنسان من التفكير والإجتهاد والبحث، بل هو القرآن الكريم يحث على التفكير والتدبّر والتعقّل، فيضع أمامنا أصول وصور العبادات، وأنماط المعاملات، والصفات التي يجب أن نكون عليها، أما ما يتعلّق بالعلم وتطبيقاته ووسائل النهوض بالأمّة فهي متروكة لنا ما دامت في إطار المبادئ والأصول التي وضعها القرآن.

2- الشمولية: شمولًا موضوعيًا وإنسانيًا وزمانيًّا ومكانيًّا، فقد قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) المائدة-3. فلم يفصل منهجنا القرآني بين الدين والدنيا، فَتشمل التربية القرآنية جوانب حياتنا الدنيوية والأُخروية الخاصة والعامة، وتنظّم حياة أفراد المجتمع جميعًا رجالًا ونساءً وأطفالًا، كما أنه يتوافق مع متطلبات الروح والجسد، وهو كذلك خالٌد إلى يوم القيامة وهذا لا يعني الجمود ولكن مبادئه ثابتة، والمرونة تظهر في قدرة العلماء على النظر والإجتهاد فيما يطرأ على حياة الناس.

3- الوسطية والتكامل: وازن المنهج القرآني بين متطلّبات الجسد والروح وتطلّعات العقل، ليبقى في حالة توازن نفسي وعقلي وجسدي، فقال تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) القصص-77. فنجد في المنهج القرآني توسطًا دائمًا وبعدًا عن المغالاة والمبالغة.

4- الواقعية: فالقرآن يتعامل مع الناس على أساس احتمال الخطأ، بعيداً عن المثالية والكمال، فالتربية القرآنية هي تربية للحياة والعمل والإنتاج. كما أن أنظمتها وقوانينها بخصوص التكليف والتحليل والتحريم ضمن الاستطاعة والقدرة، فقال تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة- 286.

5- الوضوح: فالأوامر والنواهي في التربية القرآنية واضحة بعيدة عن الغموض والإبهام، وتتسم باليسر والسهولة في مبادئها وتعاليمها. قال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ) المائدة-15.

6- التدرّج: يراعي القرآن الكريم بأن التربية ليست عملية تغير مفاجئ، وأن عملية التحوّل في السلوك عمليةٌ تحتاج إلى تدرجٍ في التغيّر، و قد راعت التربية القرآنية هذا التدرج بشكل واضح.

ومن هنا يمكننا القول بأن العمل بالنهج القرآني التربوي يقع على عاتق المربين؛ لتأسيس جيل قوي المبادئ، ولنتجنّب عواقب شكوى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من هجر القرآن: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَـذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) الفرقان-30.